بل إن رئيسه د. عبدالعال لا يؤمن بالمثل المعروف »يانحلة لاتقرصيني ولا عايز عسلك»، رغم أن عسله أسود ومر! الخميس : منذ نحو أربعين عاماً، وفي أيام تشبه أيامنا تلك، لا أقصد في مصر، ولكن في امريكا التي شهدت غروب شمس الجمهوريين بعد فضيحة ووترجيت الشهيرة، وصعود چيمي كارتر، الجنوبي، الآتي من المجهول ليعتلي خشبة المسرح تحت اضواء البيت الأبيض، وكان الملمح الأكثر إثارة، رحيل نجم المرحلة : هنري كيسنجر وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي الأشهر، الذي لعب دور البطولة في الواقعة التالية : - من تظن أن يخلفك كوزير للخارجية ؟ ودون أن يفكر قال : سيروس ڤانس - ولماذا هو بالذات ؟ لأن خبراته تلائم طبيعة المرحلة القادمة. - بأي معني ؟ واشنطن سوف تركز خلال المرحلة المقبلة علي الوصول إلي اتفاقات لحل النزاع الطويل بين العرب واسرائيل، وڤانس محامٍ مشهود له بالصياغة الدقيقة للعقود، والتدقيق في المصطلحات، وبالتالي فإنه اكثر من يستطيع التصدي لإنجاز هذا الدور داخل إدارة الرئيس كارتر. .............................. اتمني ألا تكون الذاكرة قد خانتني، إلا أن الأمر في مجمله لم يخرج عما سردته، ويبقي السؤال : لماذا قفز موقف قرأته - أو قرأت عنه - من الذاكرة البعيدة فيتراءي لي وكأنه وقع بالأمس القريب ؟ الحق أن حكاية كيسنجر وڤانس تداعت امامي خلال الأسابيع الأخيرة مراراً، ولعل عدم تعيين محافظ للقاهرة التي اعيش فيها منذ العام 1976، ولم اصادف موقفاً كهذا كل هذه الأعوام، كان أحد مصادر دهشتي وقلقي في آن! ثم جاءت حكاية وزير التموين الذي »أُستقيل» لتلقي مزيداً من الظلال حول مسألة معايير الاختيار، ومدي جاهزية البدائل من بين عديدين يمكن الفرز والمفاضلة بينهم، ليتقدم الصفوف الأفضل دائماً. فيما اذكر لم يعان موقع محافظ القاهرة فراغاً كل هذا الزمن من قبل. فيما اذكر -أيضاً- لم تخل وزارة التموين- خصوصاً مع »دخلة عيد» - من وزيرها الذي كان مصدر أخبار الاضاحي، وتوافر السلع في المجمعات، وازالة المخاوف من الاختناقات المتوقعة لبعض ما تتطلبه تلك الأيام المفترجة من متطلبات. الغلط فين ؟ إلي هذا الحد نضبت مصر الولادة أن تمنح العاصمة محافظا،ً وأن يطول الانتظار شهوراً طوال؟ إلي متي ننتظر الغائب ؟ هذه الاسئلة - وغيرها كثير- اسمعها، بل يسألني البعض وكأني اعرف الاجابات ثم اخفيها ! وبدوري أسأل : هل تحتمل احوالنا فكرة »القائم بالأعمال»؟ وهل كان معقولا أن يتحمل وزير فوق اعبائه حملاَ اضافياً بتسيير أعمال وزارة مثقلة بالأزمات والمشاكل؟! سؤال أخير : متي يستطيع كيسنجر المصري -ان وجد- أن يجد جواباً حاضراً مثلما حدث مع كيسنجر الامريكي قبل أربعين عاماً؟! الجمعة : مفيش فايدة ! سواء قالها صراحة أو رمزاً.. سواء نطقها حروفاً أو اشار إلي موضعها؛ هي هي، ذات الكلمة : - برقبتي. وماذا أفعل بك أو بها إذا فشلت في اتمام ما قطعته علي نفسك ؟ - لك ما تشاء. وماذا يجدي حتي ابعادك عن موقعك أو قطيعتك ؟ - هل المطلوب أن انتحر مثلاً ؟ لا.. ولكن عليك أن تحسبها صح أولا، وقبل أن تبادر بقول، أو تقطع وعداً. - يا أخي لكل جواد كبوة، ولكل عالم هفوة. مالك ومال العلماء ؟ - اعتبرني حصاناً ياسيدي ! هل تهون عليك نفسك إلي هذا الحد ؟ - احترت، واحتار دليلي معاك.. ماذا عساي افعل بالله عليك؟ لتقل خيراً أو لتصمت. - لا أستطيع السكوت ! وأيضا لا تستطيع أن تزن ما تقول، أن تفكر ولو قليلاً قبل أن تتكلم ؟ - اعترف بأنني مندفع.. هذه ليست مشكلتك الوحيدة. - ولا أنا الوحيد المتفرد بها. لو حاولت استثمار قدرتك علي الجدل والمراوغة في اتجاه آخر، لاختلف شأنك. - الناس تأخذ الآخر »علي علاته». نعم.. بشرط ألا يتحول هو إلي »علة علي القلب»! - لماذا لا تمنحني فرصة أخيرة ؟ لا بأس، مع وعد بأن تتغيرللأفضل، وتعيد النظر في اخطائك. - اعدك.. برقبتي !! السبت: نظرية »النائب.. عريساً» ! لا أعرف لماذا احتفظت بهذا المنشور الذي لايتجاوز حجمه كف يدي بين أوراقي؟! » اختار عضو مجلس النواب كأنك بتختار عريس لبنتك» من بين 12 سطراً يحملها منشور حملة »اختار لبكرة».. اختار القائمون علي الحملة أن يكون السطر الذي يجذب عين كل من تتلقف يداه المنشور مطبوعا باللون الأحمر. لم افكر كثيراً في المغزي، ربما بحكم ضيق الوقت،أو لأن احدهم قذف بالورقة الصغيرة من نافذة السيارة، فدسستها بين أوراق أحملها، ثم استقرت في وراقة المكتب، وتصادف- ويالها من صدفة- أن يكون عثوري عليها متزامناً مع اقتراب فض دور الانعقاد الأول للبرلمان! من الواضح أننا لم نُفَعل نظرية »النائب.. عريسا» التفعيل الذي كان يمكن أن نجني معه ثماراً أكثر حلاوة، ونضجاً مما جنيناه بعد 240 يوماً هي عمر الدورة البرلمانية، فما بين ايدينا اقرب إلي قبض الريح، حتي لو صرخ معظم النواب معلنين رضاهم عن الأداء خلال دورتهم الأولي! مشروعات قوانين عديدة -بحكم ما نص عليه الدستور- كان يجب أن يتمخض عنها عمل النواب خلال دورتهم الأولي، لكن ما ولد فعلاً كان فأراًَ! كانت الأولوية لطموحات وهموم النواب، في سعي دؤوب لجني مكاسب تصب في جيوبهم أو مصالحهم أولاً، وقبل أي شيء آخر! أسأل المجلس الموقر، رئيساً واعضاء: أين قانون الاعلام الموحد؟ وطرح السؤال يشاركني فيه آلاف الاعلاميين والصحفيين الذين لاترتقي مداركهم، ليعوا حكمة ترك الاعلام يرزح تحت رايات الفوضي، لتقترب بعض المؤسسات من حافة الانهيار، بينما يقف البرلمان موقف المتفرج، بل ان رئيسه د.عبدالعال لايؤمن بالمثل المعروف: »يانحلة لا تقرصيني ولا أنا عايز عسلك»،رغم أن عسله أسود ومر، فاذا بالرجل حين يقترب من الصحافة، يلوح بأنه صاحب أصول كل المؤسسات من أراض ومبان ومطابع.. الخ! .............................. إذا عاد معظم العرسان -اقصد النواب- إلي دوائرهم ليسألوا الناس عن تقييم الاداء البرلماني، فلن يجد اغلبية النواب إلا مشاعر الصدمة والحسرة، لأن النتيجة في الدور الأول »ض ج» مع مرتبة القرف الأولي، ولاعزاء للشعب المصري الشقيق! الأحد : يعني إيه مشروع قومي ؟! » الحكم في دعوي إقالة وزير التعليم 25 أكتوبر» من الآن وحتي هذا التاريخ سوف ادعو الجبار المنتقم في كل صلاة، أن يُلهم هيئة المحكمة أن تثلج صدور الشعب حكماً باقالة الهلالي الشربيني، وأن يمحو من ذاكرة الطلاب وأولياء الأمور اسمه وايامه السودا ! دون أي مبالغة، لم أر أو أسمع طوال حياتي كل هذه المشاعر السلبية تجاه وزير للتعليم، رغم زعمه أنه خبير علمي معملي فذ في إدارة العملية التعليمية، ولا أعرف »بامارة إيه؟!» لا يمل، وكبار معاونيه، من طرح أفكار ما أنزل الله بها من سلطان: من الغاء الميدتيرم، إلي اطلاق ما أسماه »مبادرة محافظة خالية من الدروس الخصوصية»، وصولاً إلي أن القراءة هي المشروع القومي القادم لوزارته! ربما كان الاكثر استفزازاً لي تلك »الافتكاسة» الأخيرة، التي تؤكد أن الحاج الشربيني وكبار معاونيه في حاجة ملحة للالتحاق بدورة لمحو الأمية الفكرية والثقافية، قبل أي مساس أو اقتراب من قضية تطوير التعليم، ومواجهة الفساد الذي ضرب كل مؤسساته ورموزه! وظاهرة الشربيني في ظل التخبط والهرجلة والارتجال والتردد الذي صاحب وجوده في »الوزارة الأخطر» يجعل تقدم نائب بالبرلمان ببيان عاجل يطالب بمحاكمة الرجل الذي يري -ويشاركه الملايين فيما يذهب إليه- انه لا يؤتمن علي مصير ابنائنا، أو بدقة علي من يجب أن يؤهلوا لصناعة المستقبل، يجعل البيان العاجل غير كافٍ، فالأجدر أن يسعي النواب لسحب الثقة منه دون ابطاء. .............................. ولأن حكاية سحب الثقة هذه، تشبه - بعد ما حدث مع وزير التموين المستقال - حلم ليلة صيف، فلا يتبقي للغلابة إلا الدعاء علي الظالم والمفتري علي البراعم التي يجب أن يكون رهان المستقبل عليها. عن نفسي أري أن الأمر لا يليق برجل يزحف نحو الستين، تعلم في مدارس يفاخر بمستواها، وربما كان أضعف الايمان أن أكشف د. الشربيني، بسؤال من قبيل : - يعني ايه مشروع قومي يادكتور؟ يبدو أن وزير التعليم ينتمي إلي صنف من المسئولين ترعرعوا وظيفياً في ظل نظام ابتذل المشروع القومي كلمة ومفهوماً، بكل معاني الابتذال، من كثرة ما تردد التعبير، فتم وصف كل شيء وأي شيء بأنه مشروع قومي، من مشروع لتجديد المجاري، أو اضافة بضع وحدات للسكة الحديد، أو زيادة اسطول النقل الداخلي بالعاصمة أو... أو.. ألم يتطوع بعضهم لوصف مترو الانفاق بأنه اعظم من هرم خوفو لأن ناتج الحفر كان كذا مائة ضعف، مقارنة بما تم تشييد الهرم الاكبر به من احجار، وإذا كان الأمر علي هذا النحو في القياس، فان المترو اعظم- بالتأكيد- من السد العالي بالمعيار ذاته!! - يعني ايه مشروع قومي يامعالي الوزير؟ .............................. لايجب أن نضيع مزيداً من الوقت رهاناً علي اجابة علمية تترجم وعياً راقياً، بعد كل هذا الذي شهده التعليم خلال استوزار الهلالي الشربيني، لأنه بأي حال لم يعطنا أي امارة علي فهم سليم لدور التعليم في صياغة مشروع قومي، أو اعتبار التعليم ذاته مشروعاً قومياً يمنح المصريين القدرة علي اقتحام المستقبل. الإثنين : حلم في الجنة في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت.. في الجنة أنت مع من تحب.. هكذا وعد رب العباد من يدخله الجنة.. تأملت طويلاً، ثم تساءلت : - لماذا يختزل البعض الجنة ونعيمها في الحور العين اللائي يتجاوز عددهن السبعين ؟ ولماذا لا يعني هؤلاء إلا كل ما هو حسي؟ لماذا تقتصر المتع عنده علي كل لذة لاترتبط سوي بالمأكل والمشرب والجنس؟ يقيناً في الجنة ما لا عين رأت، فلماذا لا يأمل ساكنها في مشاهد خلابة تفوق مئات المرات جميع ما رآها المرء في دنياه، حتي لو اتيح له ارتياد كل مواقع احتوت علي مضارب الأمثال من مشاهد بالغة الروعة؟ يقيناً في الجنة ما لا أذن سمعت، فلماذا لا يطمح من يسكنها في الاستماع إلي موسيقي تملأ النفس بالبهجة، واصوات عذبة، يتواري معها أصحاب أجمل الحناجر - في الدنيا - خجلاً؟ ولماذا لا استمتع بالشيخ رفعت والنقشبندي وام كلثوم؟ وإذا كان المرء مع من يحب، فهل يقتصر ذلك علي الأهل والاصدقاء، أم أن الدوائر تتسع ليلتقي الانسان بمن لم يدرك عصره من العلماء، وعظماء الفكر، وأعلام الفن الراقي و..و.. ثم إذا كان الانسان محباً للمعرفة؛ فهل يكون عند اطراف اصابعه مناهل تُشبع ما لم يتسع العمر لادراكه من عميق المعارف وأسرار العلوم؟ .............................. إذا كان الأكول النهم يجد ما بشر به ابن عباس: »يخطر علي قلب احدهم لحم الطير، فيطير حتي يقع بين يديه علي ما اشتهي مقلياً أو مشوياً».. فلماذا لا يجد المثقف الفقير في الدنيا أرقي الموسوعات تحت ناظريه، أو مسموعة حتي لا يكلف بصره عناء القراءة؟ وإذا كان المرء محباً لزوجته، مكتفياً بها، وهي عنده في الدنيا بكل نساء العالمين، فلماذا يصبح في الجنة باحثاً عن نساء أخريات، إذا كانت رفيقة العمر- في الدنيا- سوف يسبغ الخالق العظيم علي جمالها جمالاً، وفوق بهائها بهاءً، وكانا معاً من العفة والحياء قد بلغا مبلغاً عظيماً، فتظل في نظره في الآخرة ونعيم جنتها، كما كانت في الدنيا وربما كان من الثراء والقدرة علي أن يتزوج بأخريات، لكنه كان محباً وفياً، وكذلك هي؟ .............................. هل أطلقت العنان لخيالي ؟ هل تجاوزت قدري ؟ هل أخطأت في اجتهادي، فأطلب من ربي العفو والمغفرة ؟ ان كنت قد أخطأت فهو الغفور ذو الرحمة، وإن كنت قد أصبت فإني أطمع في أجرين لاجتهادي. ومضات الموت لا يأتي بميعاد، ولا الحياة أيضا. من يستثمر في الفراغ، لا يجني سوي الندم. الذين يخرجون من الهامش، قد يكتبون متناً مهماً! من يراوح بين الحلم والكابوس لا يجد وقتاً لليقظة! لحظة مقاومة الخوف، قد تدشن شجاعاً كبيراً. النسيان نعمة إذا كان البديل ذاكرة مشوشة. إذا حضر الماضي، وغاب الحاضر، انتحر المستقبل.