لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك.. إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.. كلمات تشق فضاء الكون في موسم الحج كل عام وتهتز لها قلوب المؤمنين في كل بقاع الأرض.. كلمات تخرج من حناجر ضيوف الرحمن فتنهمر لها دموع من يعرف معناها وتقشعر لها أبدان البسطاء الذين يعتقدون أنها من الشعائر التي يجب القيام بها في رحلة العمر..وإدراك المعني علم والعلم فضل من الله يمن به علي من يشاء من عباده.. يسيل الدمع مني وأنا أتذكر تلك اللحطات التي مررت بها عام 2000 حيث كانت رحلة الحج مع وفد نقابة الصحفيين.. استرجاع المشاهد يستولي علي ذاكرتي وأنا أقرأ تفسير الآية الكريمة في سورة التحريم »يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَي اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَي رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لاَ يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَي كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» يقول الامام بن كثير في شرح معني الآية التوبة النصوح أي الصادقة الجازمة التي تمحو ما قبلها من السيئات، وتلم شعث التائب وتجمعه وتكفه عما كان يفعل من الدناءات.. وقال العلماء التوبة النصوح هي أن يقلع عن الذنب في الحاضر، ويندم علي ما سلف منه في الماضي، ويعزم علي أن لا يفعل في المستقبل، وقد قال بن مسعود سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول »الندم توبة».. ولكن ما معني »نورهم يسعي بين أيديهم وبأيمانهم» .. بحثت فوجدت حديثا لرسول الله صلي الله عليه وسلم يقول »من المؤمنين من يضيء نوره من المدينة إلي عدن أبين وصنعاء فدون ذلك ، حتي إن من المؤمنين من يضيء نوره موضع قدميه » إنها مشاهد يوم القيامة حيث ينادي في الكفار »يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون» صدق الله العظيم وهو نفس المشهد الذي ينادي فيه المؤمنون فيقول الملك الحق سبحانه في سورة الحديد »يَوْمَ تَرَي المُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَي نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ اليَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ» ثم ينتقل المشهد إلي المنافقين فيقول جل وعلا في سورة الحديد أيضا »يَوْمَ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ العَذَابُ (13) يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُوا بَلَي وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ حَتَّي جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الغَرُورُ (14) فَالْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلاَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ المَصِيرُ».. وقد قال المصطفي صلي الله عليه وسلم »أنا أول من يؤذن له في السجود يوم القيامة، وأول من يؤذن له برفع رأسه، فانظر بين يدي فأعرف أمتي من بين الأمم، وأنظر عن يميني فأعرف أمتي من بين الأمم، وأنظر عن شمالي فأعرف أمتي من بين الأمم»، فقال رجل يا رسول الله ، وكيف تعرف أمتك من بين الأمم؟ فقال »غر محجلون من أثار الطهور »أي الوضوء» و لا يكون أحد من الأمم كذلك غيرهم وأعرفهم أنهم يؤتون كتبهم بإيمانهم ، وأعرفهم بسيماهم في وجوههم من أثر السجود. وأعرفهم بنورهم يسعي بين أيديهم» صدقت يا رسول الله فقد سمعك رجل من بني كنانة صلي خلفك فقال: صليت خلف رسول الله صلي الله عليه وسلم عام الفتح فسمعته يقول : »اللهم لا تخزني يوم القيامة». أحوال في الحج عندم عزمت علي الحج وكان عمري ثلاثة وأربعين عاما قلت لصديقي وزميلي في العمل ابن محافظة المنيا أني أريد الحج هذا لعام بمشيئة الله فاقترح علي من اسأل ليوفرلي تأشيرة السفر؟ قال اسأل الله ولا تسأل أحدا غيره، قلت ونعم بالله ولكن أنت تعلم هناك تأشيرات لدي زميلنا فلان وتأشيرات رئيس التحرير وتأشيرات لأعضاء البرلمان والأبواب كثيرة ويجب علي طرقها فقال إذا صلحت نيتك وقصدت زيارة البيت الحرام فاسأل صاحب البيت واطلب منه هو وحده فإن كان قد قبلك ودعاك فسييسر لك الأمر كله وإن كان غير ذلك فاعلم أن أهل الارض جميعا لو اجتمعوا علي أن يساعدوك فلن يكون إلا ما أراد الله. عملت بنصيحته وقدمت في قرعة نقابة الصحفيين وجاءت الموافقة بحول الله وأمره ليس لي فقط وإنما لزوجتي معي أيضا، وننحن نطوف حول الكعبة أمسكت زوجتي بذراعي وتشبثت خوفا من أن تدفعها الجموع فتبتعد عني ونتوه وسط الزحام وكنت أشعر أنني أجرها جرا فكانت تعاني من مرض في ساقيها بسبب آلام الركبة جعلت حركتها بطيئة، ونحن في الشوط الثاني والزحام علي أشده ألتفت يميني فوجدت شيخا مكفوف البصر يسير بجواري ويدفع بعصاه أمامه حتي لا يصطدم بمن أمامه ولاحظت شيئا عجيبا فالرجل يمشي في مربع خال تماما من البشر وكأن العناية الإلهية جعلت له حاجزا من السماء فلا يصدمه أحد، وقلت لزوجتي أترين هذا الرجل الأعمي سبحان الله أنه يمشي وحده وسوف نمشي خلفه حتي ننهي أشواط الطواف، وفعلا مكثنا خلفه حتي انتهي الامر وبعد خروجنا قلت لزوجتي أرأيت هذا الرجل الأعمي الذي أرسله الله لنا ليفسح الطريق؟ فقالت أي رجل قلت الذي حدثتك وأشرت إليه عند الطواف ومشينا خلفه معا، قالت والله لا أذكر شيئا مما تقول وقلت سبحان الله بعد عودتي قصصت الأمر لصديقي المنياوي فقال هذا فضل من الله، أتعلم أنني في أول حجة لي طفت شوطين حاولت خلالهما جاهدا الاقتراب من الكعبة لأري الحجر الأسود وفشلت وفي الشوط الثالث حدثتني نفسي الامارة بالسوء فقالت ما هو إلا حجر وكما قال عمر بن الخطاب والله إني أعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر ولولا رسول الله قبلك ما قبلناك، مرت لحظات وإذا بي أفاجأ برجل أسود مفتول العضلات يأتيني من خلفي ويحملني من تحت إبطي ويشق بي الصفوف شقا ويضعني أمام الحجر ويقول تريد تقبيل الحجر، هاك الحجر فقبله فقبلته وقبل أن أضع خدي عليه حملني الرجل ثانية وأعادني إلي مكاني في الصف الذي كنت أطوف فيه وعن السلف الصالح روي عن عبدالله بن المبارك أنه قال جئت إلي سفيان الثوري عشية يوم عرفة وهو جاث علي ركبتيه يبكي فقلت له من أسوأ هذا الجمع حالا فقال الذي يظن أن الله لن يغفر له.. وحج مسروق وسمع وهو يقول وقد أخذ بلحيته، يا رب قد كبرت في السن فاعتقني.. وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم »ما من يوم يعتق الله فيه الرقاب أكثر منه في يوم عرفة» اللهم ارزقنا حجا مبرورا وذنبا مغفورا وحسن الخاتمة. اللهم أمين