"أعرف أننا لسنا في (بورتلاند)/ وأعرف أن الشعر لن يرد/ (الماك بوك) لأختي/ فاحتمال عثور عالمة آثار دومينيكانية/ علي كليوباترا في الإسكندرية/ أكبر من احتمال عثور أختي علي (اللابتوب)/ ولكني أكتب هذه القصيدة حتي يظهر (الماك بوك)" قد تقول الأبيات القليلة السابقة الكثير عن الشاعر "فرانك بايس" من جمهورية الدومينيكان، فهو الكاتب الذي يمزج رحلاته حول العالم بالشعر، حتي إن مجموعة أشعاره الصادرة حديثا عن "دار صفصافة" من ترجمة مارك جمال تحمل اسم "عشرون بطاقة بريدية"، وهو يضيف الكثير من مفردات الحياة اليومية إلي أشعاره وكذلك التكنولوجيا، في قالب بسيط ولغة فوتوغرافية. ولد "فرانك بايس" عام 1978، وصدرت له ثلاث مجموعات شعرية ومجموعة قصصية، كما أنه أحد أعضاء فرقة "الرجل الصغير" الغنائية، ويترجم الشعر الإنجليزي والأمريكي إلي لغته الأم الإسبانية. فاز "بايس" بعدد من الجوائز في وطنه الدومينيكان، كما ترجمت أعماله للإنجليزية والفرنسية والإيطالية والسويدية، وأدرجت قصائده حديثا ضمن المختارات الشعرية الصادرة بعنوان "آخر أشعار الإسبانية". وقد احتفلت دار صفصافة وسفارة جمهورية الدومينيكان بصدور الترجمة الأولي لأشعار "بايس" إلي العربية عبر إحدي فعاليات "مهرجان القاهرة الأدبي" في دورته الثانية بمعهد "ثربانتس"، وكان لي مع الشاعر هذا الحوار الذي تحدث فيه عن قضايا الأدب، والسفر، وامتزاج الحضارات. تكتب الشعر والقصة القصيرة أيضا. فمتي تصوغ الفكرة في شكل قصة ومتي في شكل قصيدة؟ وكيف تختلف قصصك عن قصائدك؟ أميل لكتابة النثر حين تكون لدي فكرة واضحة أريد التعبير عنها واكتشافها، أما الشعر فأفكر به كإيقاع وصورة لأنه مثل النبوءة. القصة تبدو كرحلة قطار أعلم أنها ستنتهي مثلا في الإسكندرية، أما القصيدة فلا أعرف إلي أين سوف تأخذني، لذا أكتبها لأعرف، فهي مغامرة مثيرة. فهل تستخدم القصيدة حين تريد التعبير عن مشاعر ما، ولا تملك الحبكة والبداية والنهاية التي تميز القصة القصيرة؟ بالفعل، فأنا أعبر بالشعر عن الأحلام والمشاعر والرموز فعلي القارئ أن يقرأ ما بين السطور، كما أستخدم ضمير المتكلم في قصائدي. أما القصة القصيرة فأحب أن تكون مباشرة وواضحة وكلاسيكية. هل يتهمك البعض باستخدام لغة بسيطة وغير فنية؟ بالطبع يفعلون، لكنني لا أستخدم اللغة المنمقة بهدف إثارة الإعجاب فقط، فالأمر في النهاية يعتمد علي القصة وموضوعها وشخصياتها. فقد أستخدم لغة معقدة حين أتحدث عن صحفي، ولغة أقل تعقيدا إذا كنت أتعامل مع شخصية ميكانيكي أو رجل شرطة. بالحديث عن رجال الشرطة، تكرر ذكرهم في عدد من قصائدك، مثلا في قصيدة "بورتريه ذاتي" تقول "منذ أسابيع أوقفني شرطي سائلا/ إن كنت أنا الشاعر الذي ألقي ليلتها شعرا/ فرددت بالإيجاب/ ثم قال الشرطي إن قصائدي حسنة/ وأومأ برأسه، أو شيء من هذا القبيل." كما تقول في قصيدة "في دامن" "أما أولئك الذين يفتشون ويشقون، أولئك المطرودون/ فيجعل لهم الشاعر في قصائده ملاذا،/ للحزاني، للعشاق، للعاهرات، للمجانين،/ لرجال الشرطة المتقاعدين.../ وما إن ينتهي الشاعر من بناء بيته/ حتي لا يعود البيت بيته/ فيرحل ليبني بيوتا أخري في مكان آخر." فلمَ ذكر رجل الشرطة بالذات؟ لأن الناس في العادة تكره الشرطي. في قصيدة "في دامن" هناك شعور بأنه إذا كان رجال الشرطة المتقاعدون يستطيعون كتابة الشعر فالكل يستطيع ذلك. أما في "بورتريه ذاتي" فهناك حبكة مضادة إذ إنه من الطبيعي أن يقول الشرطي شيئا سيئا، لكنه يتحدث للشاعر ويمدح قصائده، كما أن رجل الشرطة هو في العادة عدو الشعراء. تبدأ مجموعة أشعارك المترجمة إلي العربية بقصيدة "بورتريه ذاتي"، وهي بمثابة بطاقة ولادتك كشاعر، فمتي كتبتها؟ وكيف تشعر حيالها اليوم؟ كتبتها منذ حوالي 12 عاما، كنت أحاول كتابة شيء مختلف عن المعتاد، فلكي أكون شاعرا ناجحا في بلدي كان يجب عليّ أن أجلس مع الكتاب كبار السن، وكنت حقيقة أكره ذلك. أردت أن أكون نفسي ويكون لي صوتي الخاص، فكتبت تلك القصيدة التي أبدو فيها كشخص خاسر، أشبه ما يكون ب"شارلي شابلن" في أفلامه، لا أحب تشبيه الشاعر لنفسه بالقديسين، أفضّل أن يكون الشاعر رجل شارع عاديا، لديه بعض المهارات كالساحر في الأحياء الشعبية. فكيف تنظر إلي أعمالك السابقة، خاصة القديم منها؟ أنا متصالح مع الشعر لا القصة، لكنني وجدت ناقدة في يوم ما تتحدث عن قصة نشرتها منذ حوالي 15 سنة وتمدحها رغم أنني كنت أكره هذه القصة، فسعدت كثيرا. الحقيقة أنني حين أنشر عملا لا أكون راضيا عنه تماما، ولكن هنا تأتي المخاطرة التي تعطيك متعة من نوع خاص. فإذا نشرت يوما كتابا سيئا عليك بكتابة كتاب جديد حتي ينسي القراء الكتاب السيئ. يكتب الكثير من الكتاب العرب مقالات وقصصا وأشعارا حزينة عن بلوغ الثلاثين، كتبت قصيدة بعنوان "ثلاثون عاما" تقول فيها "بعد أسابيع أتم الثلاثين عاما،/ فتبدأ التجاعيد بالظهور ببشرتي، وحول عيني، ويبدأ لغدي في الترهل./ وفجأة، ينبت لي شارب من شوارب العالم الثالث". فكيف تشعر الآن بخصوص التقدم في السن؟ سوف أبلغ الثامنة والثلاثين غدا، إلا أنني أشعر بالسعادة الآن ولدي الكثير من الأصدقاء، لم يعد يهمني التقدم في السن. كنت أظن في صغري أنني أستطيع أن أكون "رامبو" وأفعل ما يحلو لي، وأنني مع الكبر وتحولي لكاتب ذي تاريخ لن تتاح لي فرصة فعل ما أريد، لكنني وجدت ذلك وهما كبيرا. أظن أن سني مراهقتي كانت أسوأ كثيرا مما أنا عليه الآن. كتبت عن الكثير من المدن مثل "شيكاغو" و"دامن" و"بلزن" و"نيويورك" وغيرها الكثير، فهل ستكتب عن مصر أو القاهرة أو الإسكندرية؟ رحلتي إلي مصر جميلة، وهي أول زيارة لي إليها. سأكتب مقالا عن زيارتي بالطبع، ولكن فيما يخص الشعر أو القصة فيعتمد الأمر علي الإلهام. ربما أكتب عن تحولي إلي مصري، فالكثير هنا يرونني أشبه المصريين، وأري أنا ذلك أيضا. أشعر أيضا بالامتنان لمارك جمال الذي اختار بعض قصائدي وترجمها للعربية، فقد أرسلت إليه قصائد كثيرة جدا واختار هو منها. أخيرا، ما انطباعك عن "مهرجان القاهرة الأدبي" في دورته الثانية؟ أشعر بالفخر لتمثيل بلدي من منطقة البحر الكاريبي وأمريكا الجنوبية في المهرجان، كما أنني تعرفت علي المناخ الثقافي في مصر وفي منطقة الشرق الأوسط بأكملها حيث قابلت في يوم المهرجان الأول عددا من الكتاب من الدول العربية مثل العراق وسوريا والسودان وليبيا، والآن لدي العديد من الكتب التي أهداها لي أصدقائي العرب لقراءتها حين العودة لموطني.