هناك نوع من الأحكام القضائية اشعر أنه يطفيء نار الغضب في صدري.. ويريح نفسي ويرضي عقلي! الأسبوع الماضي أصدرت المحكمة التأديبية العليا في مجلس الدولة.. حكما في قضية المسئولين.. الذين أحيلوا للمحاكمة التأديبية بعد حادث العبارة السلام.. الذي راح ضحية له 3201 راكبا بريئاً.. غرقوا في قاع البحر الاحمر. ونهشت أسماك القرش جثثهم. وقضي حكم المحكمة التأديبية بفصل 11 موظفا كبيرا من القيادات في هيئة السلامة البحرية وقطاع النقل البحري، كما قضي الحكم بمجازاة 12 متهما من المسئولين والفنيين.. بايقافهم عن العمل لمدة 6 شهور.. ومجازاة 51 متهما اخرين.. بالاحالة إلي المعاش وانهاء خدمتهم. وكان تقرير لجنة تقصي الحقائق بمجلس الشعب حول حادث العبارة، قد أكد علي وجود تقصير شديد.. وعدم التزام من هؤلاء الموظفين والقيادات بالقواعد التي تؤمن سلامة أرواح المسافرين. كما كشفت التحقيقات في الحادث.. ان المختصين في هذه الجهات سمحوا بتشغيل العبارة.. رغم افتقارها لأبسط معدلات السلامة. وقد وقفت منبهرا أمام اسباب حكم المحكمة التأديبية العليا. الذي صدر برئاسة المستشار محمد زكي موسي.. وعضوية المستشارين توفيق الشحات وعبدالرحمن سعد وجمال الهنداوي وفهد الباجوري. في بلاغة مؤثرة وموجعة في نفس الوقت.. قالت المحكمة في أسباب حكمها، أنه تكشف لها أن »غرق العبارة كما حدث، وما هو الا قمة من جبل الثلج، لكن ما خفي من حجم المخالفات كان أعظم! وقالت المحكمة »إن ما حدث كان حلقة في سلسلة من الاهمال والتقصير.. واللامبالاة التي تحولت إلي وحش كاسر. إلتهم أحلام البسطاء.. من مستخدمي هذه الوسيلة من وسائل النقل«. واضافت المحكمة: ان المتهمين علي اختلاف مشاربهم. ساهم كل منهم بدور - في منظومة التقصير والاهمال واللامبالاة. مما أدي إلي وقوع هذه الكارثة! وفي اعتقادي أن حكم المحكمة التأديبية هذا. قد أكمل كلمة العدالة الحقة، لأنه لا يمكن أبدا. ان نحكم فقط علي هؤلاء الذين تسببوا في الحادث بطريقة مباشرة.. مثل القبطان او ضباط العبارة أو حتي اصحابها. وفي نفس الوقت نتجاهل مسئولية الموظفين الحكوميين. الذين تسببوا اصلا بأهمالهم وتقصيرهم، في أداء عملهم في وقوع الحادث. ان الذي يعطي رخصة قيادة لسائق أعمي. لابد ان يحاكم معه اذا قتل هذا السائق الابرياء في الشارع! وهذه النوعية من الأحكام هي التي تواجه الفساد فعلا.. وتجعل أي موظف او مسئول.. يفكر كثيرا.. قبل أن يهمل أو يقصر في أداء عمله. ان الذين يجلسون وراء المكاتب.. ولا يفعلون شيئاً سوي احتساء الشاي وقراءة صحف الصباح.. ويهملون في مصالح الناس او تطبيق القانون. والموظفون أو المسئولون الذين يتربحون من وراء الوظيفة - أو يبيعون ضمائرهم مقابل رشوة أو هدية.. لابد أن يكونوا عبرة لغيرهم! يحيا العدل!