غياب الأمن وانتشار البلطجية والباعة الجائلين.. أبرز أسباب «السكتة السياحية» في «الحسين» ربما كان ذلك لسان حال أصحاب البازارات في منطقة الحسين، بعد أن غاب "الأجنبي" بسبب تراجع السياحة، واختفي "المصري" بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية، والمحصلة أن الزبون "خان" محلات "خان الخليلي"، وتسبب غيابه في حالة من الركود لم تشهدها المنطقة السياحية من قبل، حتي كاد أصحاب البازارات أن يشهروا إفلاسهم! المشهد في الحسين ينطق بالحال.. الصمت يخيم علي المكان.. ممرات خالية من السائحين، وعدد من الباعة يجلسون أمام محلاتهم، وآخرين يشغلون أنفسهم بإزالة التراب عن بضاعتهم التي لم يطلبها "زبون" منذ شهور.. وأصبح أكثر رواد تلك المنطقة هم الصينيون, وذلك لمتابعة أعمالهم التي تباع بالحسين, حيث غلب الطابع الصيني علي التماثيل والبضائع الموجودة هناك! (الأخبار) قامت بجولة بميدان الحسين وشارع خان الخليلي والصاغة للتعرف علي أحوال أصحاب المحلات والبائعين، ورصد أبرز مشكلاتهم ومطالبهم. في البداية، يقول عباس محمد -صاحب بازار- أن معاناة أصحاب المحال التجارية أعقاب الثورة تتزايد بشكل مستمر، من زيادة في فواتير الكهرباء وتكاليف التشغيل وأجور العمال وخلافه، مشيرا إلي أنه فكر كثيرا في تغيير النشاط أو تصفية تجارته، إلا أنه تراجع عن الفكرة لأنه لا يعرف عملا غيره، فهو ورثه "أبا عن جد". وعن حالة الركود التي يعاني منها "خان الخليلي"، فيري أن سبب عدم إقبال الزبائن علي الشراء هو الوضع الاقتصادي السييء الذي نعاني منه، مضيفا أن السائحين الذين يزورون مصر حاليا هم "فقراء" الدول الأجنبية الذين يفوزون برحلات زيارة إلي مصر، متذكرا أيام "العز"، قائلا: "كان مكسب اليوم الواحد أكثر من 5 آلاف جنيه في عز الموسم، أما الآن فلم نعد قادرين حتي علي دفع إيجار المحل وأجور العمال"! يلتقط طرف الحديث محمد صلاح -صاحب بازار- مضيفا أن معظم أصحاب البازارات يعانون من ندرة السياح الوافدين علي المكان الذي يعد من أهم المناطق الأثرية الجاذبة للسياحة بالعاصمة, وأرجع ذلك إلي انتشار البلطجة بحي خان الخليلي، فضلا عن رواج تجارة المخدرات، خاصة في ظل تواجد أمني غير كاف، مما دفع بعض العاملين في المجال السياحي بالمنطقة إلي تنظيم وقفة في شارع الأزهر مؤخرا للمطالبة بتكثيف التواجد الأمني لحماية السياح والزبائن والمحلات التجارية. كما ينوه إلي أن الضرائب المتراكمة علي أصحاب المحال التجارية أدت إلي حدوث حالة من الكساد العام. "يعني لا بيع ولا شراء ولا مكسب". فتش عن الأمن "حالنا في الحضيض".. هكذا يلخص محمد طيب -أحد البائعين بالخان- حالهم, فالسياحة كما يقول أصبحت نادرة بسبب غياب الأمن وفوضي الميدان وانتشار البلطجية، ويتساءل: كيف يسير السياح وسط كل هذه الفوضي والبلطجة؟! لقد أصبحنا أسوأ حالا وأكثر عشوائية من أسواق العتبة والموسكي! ويتساءل: إذا كانت الشرطة تعرف أماكن البلطجية، وترصد مروجي المخدرات علي النواصي، فلماذا لا تلقي القبض عليهم، من أجل تطهير المنطقة السياحية من هذه البؤر الإجرامية، وكيف يمكن أن ينهض النشاط السياحي بهذه المنطقة المهمة في غياب القانون؟! ولكن علي رغم الشكوي المتكررة من غياب التواجد الأمني، إلا أننا سجلنا وجود سيارات الشرطة بالفعل، وانتشار عدد من عناصر الأمن في ميدان الحسين, لكن يبدو أن تواجدهم لا يمنع فرض سطوة البلطجية والباعة الجائلين وترويعهم للمارة في بعض الأحيان، كما تؤكد شهادات العديد من أبناء المنطقة، وكذلك روادها. محمود صالح - أحد أهالي المنطقة- يقول: نعاني من شلل مروري، وتكدس رهيب، وفرش الباعة الجائلين يسد الطريق, مما يؤدي إلي خناقات ومشاجرات شبه يومية، المشكلة أنه لا أحد يحاسب أحدا فنضطر نحن للتدخل لفض الكثير من المشاجرات والمشكلات التي قد تنتهي بجرحي ومصابين في بعض الأحيان، مؤكدا أنه يطالب أن يطبق القانون علي الجميع. في حين بادرنا محمد حسين- بائع- قائلا بسخرية مريرة: "لسه بتسألوا عن السياحة؟!" ويكمل: الحمد لله أننا "لسه عايشين.. يا دوب نقدر نحصل أجرة المواصلات للشغل رايح - جاي". من جانبها، تؤكد شاهيستا تامر -مرشدة سياحية- أن السياحة الترفيهية في مصر تأثرت بنسبة تتراوح ما بين70 إلي80٪ أما بالنسبة للسياحة الثقافية التي تأتي لزيارة المعالم وشراء المصنوعات والهدايا الأثرية فقد تأثرت بنسبة كبيرة قد تصل إلي95 ٪ خاصة أن نسبة إشغالات الفنادق تقلصت إلي 27٪ وفي الأقصر من 10 إلي15 ٪ والمراكب العائمة 8٪، وتري إنه من الطبيعي بعد الثورة أن تتأثر السياحة بشدة في منطقة الخان والمنطقة الأزهرية، مؤكدة أن استمرار حالة عدم الاستقرار أدي إلي الأمان في البلاد يعقبه عدم وجود أفواج سياحية مما يسهم في تدهور الاقتصاد وإغلاق العديد من المحال والبازارات في منطقة خان الخليلي نظرا لتوقف حركة البيع والشراء، خاصة أن المواطن المصري لا يشتري ولا يزور الأزهر والحسين والقلعة لأن80 ٪ من نسبة زيارة تلك الأماكن مرتبطة بالسياح. «نشتري المستعمل»! الركود التام لحركة البيع والشراء لم يصب البازارات والمحال التجارية فقط، ولكنه امتد إلي محلات الذهب بالصاغة، أحد أقدم الأسواق التجارية في مصر. "نشتري الذهب القديم بأفضل الأسعار".. عبارة تم تعليقها علي واجهة فاترينة محل بالصاغة، ولم يكن المحل الوحيد، بل عدد ليس بقليل جاءت واجهته خالية من مصوغات سواء ذهبا أو فضة، لا يوجد سوي زجاج خال وتلك الكلمات أو ورقة كتب عليها "بيع وشراء دهب كسر". ولن يمر سير أي فتاة أو سيدة بشارع الصاغة دون أن يتردد علي أسماعها "تبيعي دهب"؛ فالحال أصبح عكسي بالصاغة، لم يعد يقتصر علي بيع الذهب للزبائن بل شرائه منهم، نظراً لارتفاع أسعار الذهب علي كل من البائع والمشتري. "هاني"- صاحب أحد محلات الذهب بالصاغة - وقف جوار فاترينة محله وبها قطع من المشغولات الذهبية قائلا: "الحال طالع نازل.. دلوقتي محدش بقي يقدر يشتري شبكة كاملة.. معظمهم يكتفي ب"دبلتين وخاتم".. حال البلد كلها كده واقف نعمل إيه". بينما اكتفي أحمد عبد العزيز - معروف بالصاغة بأنه "خبير ألماظ" بكلمات قليلة: "الحالة ماشية بتعرج"، وارتسمت علي ملامحه الضيق من الحال. ومن ناحية أخري، سيطر علي الصاغة القديمة "ماركات" الذهب العالمية الخاضعة للمجلس العالمي للذهب، وكادت الورش اليدوية أن تختفي بين طيات حواري وأزقة الصاغة. ويري محمد فتحي- صنايعي بالصاغة - إن " قليلا جدا من يأتي الآن ليطلب قطعة "عمولة" لأنها تحتاج لشغل ومهارة، وكمان بتحتاج مصنعية عالية، وغالباً ما يكون الشغل العمولة في تركيب فص أو حجر أو إصلاح قطعة ذهب تكون في الأصل مصنوعة يدوياً، وهنا نحتاج شهادة الفص أو فاتورة الذهب لنتأكد من عدم سرقته، خاصة إن كان سبيكة ويريد صاحبها صهرها وتحويلها لشكل آخر".