لطالما كان الأزهر الشريف هو المنجي والمعتصم الذي نأوي إليه إذا ادلهمت الخطوب وحاصرتنا الرعود وأبي الاستقرار معنا إلاّ العناد.. لذلك رأت (الأخبار) أن تُحاور عالماً أزهريًّا قديراً له في السياسة، مثلما له في العلم، باع طويل وتضحية كبيرة حين دخل السجن في العهد الناصري راضياً مرضيًّا دفاعاً عن رأيه الذي يؤمن به، وبعد الثورة كانت له إسهاماته الضخمة في الجمعية التأسيسية التي أعدت الدستور، وهو الآن عضو مجلس الشوري.. إنه د.حسن الشافعي كبير مستشاري شيخ الأزهر ورئيس مجمع اللغة العربية، الذي تحدث معنا بصراحته المعهودة شارحاً أبعاد الأزمة السياسية الحالية، آخذاً بأطرافها، مناشداً كل المرتكزات الوطنية سواء القوات المسلحة أو الأزهر أو الكنيسة باتخاذ إجراءات سريعة لقطع الطريق علي أي عنف محتمل، مؤكداً أن الإسلام أعطي الحق للاعتراض السلمي للرجل والمرأة علي الحاكم، وفي الوقت نفسه اعتبر كل من يستخدم العنف ويروع الناس ويعتدي علي الممتلكات مجرماً خارجيًّا.. وأكد د.الشافعي أن هناك من يطلب الحكم ولو علي جثث الجماهير، وأن المعارضة أضاعت فرصاً كبيرة للمصالحة باستعلائها، محملاً السفهاء في الجانبين مسئولية ما يسقط من أرواح.. إلي تفاصيل الحوار: أسألك بداية عن رأيك في التظاهرات التي تملأ الشوارع الآن ما بين مؤيد ومعارض وتأثير ذلك علي المستقبل السياسي المصري؟ - أتكلم الآن بوصفي مواطناً مصريًّا وليس كرئيس لمجمع اللغة العربية، ولا لصلتي بالأزهر، فلست مخولاً للتحدث باسم الأزهر، وإنما يمكن أن أتحدث باسم الروح الأزهرية، ولذلك أقول إنني لست مستريحاً للحشد المتبادل، وأجد أن هذا استخدام سيئ للجماهير، بل إنني أحس أنه نوع من المقامرة بالأرواح، وفي أحسن تقدير هو مراهنة علي مستقبل مجهول، والمنظر المؤلم فيه هو الاستهانة بأرواح الجماهير من خلال هذا الشحن والحشد المتبادل، ولاحظنا أثر ذلك، بل رأينا تجارب نتج عنها إن لم يكن قتلي فجرحي عديدون، وهذا إحساسي الشخصي وأعبر عنه بكل وضوح حيث أحمّل السفهاء في الجانبين مسئولية هذه الأرواح، لأن كل الأهداف السياسية لا تساوي قطرة دم واحدة. دور العقلاء من أهم المطالب التي تنادي بها التظاهرات المعارضة سحب الثقة من الرئيس، هل تعتبر أن ذلك يدخل في إطار النهي الشرعي عن الخروج علي الحاكم؟ - أذكر أن د.محمد مرسي توجه إلي المعارضة وقال إنه مستعد شخصياً أن ينتقل إليهم، وأنا أعلم أنه وجهت إلي المعارضة عدة دعوات، وهذه الدعوات ليست لكي يذهبوا إلي سفير إسرائيل أو يسافروا إلي أي مكان في العالم، وإنما هي دعوات لمقابلة الرئيس المصري، في بيتنا، ولكن هذا لم يتم، وأيضاً أعلم أن الرئيس مرسي طلب من رموز المعارضة أن يكتبوا قائمة بالمواد المعترض عليها في الدستور مثلاً أو الجوانب التي يريدون إصلاحها، وأنه تعهد وكلنا نعلم هذا، بتقديمها في أولي جلسات مجلس النواب القادم، وكانت هذه فرصاً إيجابية لإحتواء الخلاف، لكن أعترف أن الجو المتوتر وأن الذين يستفيدون من الشحن المتبادل وتوتير الساحة المصرية لم يقفوا عند حد، لا أريد أن أتحدث عن الإعلام، لأن هناك تحريضًا واضحًا، ودعنا من أن هناك إساءة واستهانة، وإهانة أحياناً لشخص الرئيس أو أهله أو أسرته، فهذا قد تجاوز عنه الرجل، ونحن لسنا ملكيين أكثر من الملك.. والآن كل ما أتمناه أن يتقدم العقلاء في الجانبين، أو في مصر كلها بحل الخلاف، وأنا أذكي أي مبادرات وأثني عليها، وأتوجه إلي الله عز وجل أن تكون هناك فرصة من أي لون حتي نفرغ هذه الفقاعة من الهواء، وأقول هذا وأنا أعلم أن التفاهم قد فات أوانه لأن المعارضة تطالبه بالاستقالة، فلم تعد هناك أرض مشتركة، لأن كلا الطرفين يبغي القضاء علي الآخر. ولكنّ المعارضة تري أن الرئيس مرسي وقام بتعيين وزراء ومحافظين منهم متجاهلاً مطالب الثوار بإقالة رئيس الوزراء، إضافة إلي تزايد الأزمات الاقتصادية.. مما أضاع أهداف الثورة.. ما قولك؟ - لست أدري إن كان تعيين المحافظين مسئولية الرئيس أو الحكومة، لكن أود أن أقول بكل صراحة إن الإخوان المسلمين فصيل سياسي، ولن يأتي يوم تغمض المعارضة عينيها وتفتحهما فلا تجد الإخوان المسلمين، لن يحدث هذا، وما دمت قد أثرت هذا الموضوع فإنني أصرح بأن هناك سفهاء في الجانبين، ودعنا نفترض أن هناك عقلاء أيضاً.. أنتم أسقطتم محمد مرسي أو تقولون له استقل.. ليعطي المسئولية لمن؟! ومن الذي أعطي هؤلاء الستة الذين يسمونهم صلاحية التصرف في مصير الوطن؟ وهناك الكثيرون يشكون، وهناك الكثيرون يؤيدون الوضع القائم.. والاخوان فصيل سياسي، وإذا كان الرجل قد اختار من الجماعة الإسلامية ألا يختار من حزبه، ولا أقول الجماعة، لأن الجماعة جمعية دينية لا تزيد علي النشاط الدعوي والإغاثي والتربوي، وهذا ليس بالقليل، وأرجو من الجمعيات الدينية أن تهتم بالفرد المصري، لأن المشكلة عندنا ليست سياسية. ولماذا لم يشرك الرئيس باقي القوي الثورية معه في تحمل المسئولية؟ - لا غبار علي الرئيس أن يختار من كل القوي السياسية ومن المعارضين، وهو يقول إنه عرض عليهم ولكنهم لم يرشحوا، ولم يتقدم إليه أحد.. ثم هل نستكثر علي حزب الأكثرية أن يختار محافظين، والمحافظ يمثل الرئيس في إقليمه، ثم أليس هؤلاء مصريين في النهاية.. وأنا أستغرب هذا الاعتراض رغم أنه لا توجد أي علاقة تنظيمية بيننا، نعم هناك تقارب في الأفكار وهذا لا أنكره، وأعتقد أنه شرف لي، وقد كنت أعمل عندما كانت المسألة تضحيات.. أما الآن فأصبحت مكاسب.. وأقول إن هذا من حق هذا الفصيل المظلوم والذي ظلم نفسه بأن تحمل المسئولية في وقت السيولة المصرية، في الشارع والضمائر والأحزاب.. حيث لا يلتزم أيُّ بأي شيء، ولو أنك تعيش في سويسرا لاختار الرئيس الجميع من حزبه، أم أنه تمت شيطنة الإخوان الآن من قبل هؤلاء الذين يظنون أنهم يأتون من الخارج إلي الفندق ثم ينتقلون علي رأس الموتي من الجماهير إلي القصر الرئاسي دون الاحتكاك بالناس، فكيف يكون هذا في بلد ديمقراطي؟ هل هذه هي الزعامات والكاريزمات؟ وأن أكون رئيساً علي حساب الدماء المراقة في الشارع.. إنها بالفعل كارثة.. وأنا أتحدث بكل صراحة لأننا الآن في مواجهة الموت، والمسألة لا تتحمل المجاملات. تعقيد الموقف اتخذ الأزهر مبادرات عديدة بعد قيام الثورة كان لها وزنها في الحياة السياسية، فلماذا لا يقدم الأزهر مبادرة جديدة لرأب الصدع بين الفرقاء؟ - قلنا من قبل إن المعارضة عقّدت الموقف بمطالبة الرئيس بالاستقالة، حيث تعدت المسألة رمي طرف للقفاز في وجه الآخر، لكن بما أن الأزهر هو أحد مخازن الحكمة في بلدنا ومواطن الثقة من الجماهير وله مصداقية وتأثير، فأنا أناشد كل عاقل وحكيم في القوات المسلحة والأزهر الشريف والكنيسة المصرية الوطنية، والأحزاب المعارضة والمؤيدة اتخاذ موقف للخروج من الأزمة ولا شك أن بين القوم عقلاء، وقد جلست من قبل مع د.عمرو موسي في مكتبه وذهبت إليه أيضاً بوصفي مواطنًا مصريًّا لا أكثر ولا أقل، وقال لي إنه ليس مع القائلين بعدم إكمال الرئيس مدته، للرجل أن يحاول، ولنا أن نحكم عليه.. لكننا لا نوافق علي ما يحدث الآن من مواجهة الرئيس ثم الاستكبار علي الجلوس معه، ثم مطالبته بالاستقالة وترك المسئولية.. والسؤال هو لمن يترك المسئولية؟ فإذا كنت الآن في سفينة هؤلاء يقودها ربان (نص ذ نص) في نظرك، فهل تقبل أن تركب في سفينة ليس لها ربان، ومن هؤلاء الستة وما قيمتهم، فأنا أعتبر أن من بين هؤلاء مراهقين سياسيين، ليست لديهم أي خبرة، لا في حكم، ولا عند الجماهير.. دونك والشعب، من أراد أن يحكمنا عليه أن يقترب منا، أما من يريدون حكمنا عن طريق الدماء فتلك جريمة سياسية. هل لديك معلومات عن أهم ما دار في لقاء الرئيس بالأمام الأكبر والبابا؟ - لا أظن أن هذين الرجلين الحكيمين قصّرا في واجبيهما، وإن كانا لم يصارحاني بما دار في لقائهما مع الرئيس، والشعب المصري بذكائه المعروف يعلم أنهما يسعيان إلي صب الماء علي النار وليس البنزين.. خاصة بعد أن سمعنا من المؤيدين من يهدد بأن من يرش الرئيس بالماء يرشه بالدم، وسمعنا كذلك التهديد نفسه من عناصر البلاك بلوك وهم في نظري مجرمون، لأن من يعمل بالسياسة يكشف عن وجهه، أما من يغطي وجهه فيتهيأ للإجرام، وقد عشت أكثر من ستين عاما أعمل في السياسة وكان هناك أصحاب القمصان الحمراء والخضراء، ولكن كانت وجوههم عارية، أما من سبق واعترف أنه دمر محلات تجارية للإخوان المسلمين فإنما يمارس الإجرام، فأنا أري أن هناك عناصر فاسدة وعناصر إجرام في الجانبين، وليس لنا من ملتجأ إلاًّ إلي الله. رأي الأزهر أعود إلي سؤالي الأول.. هل تري أن المظاهرات إذا خرجت عن السلمية فقد دخلت في الحكم الشرعي للخروج علي الحاكم؟ - لقد قال الأزهر بكل وضوح ومن قبل الأزهر قال الفقه الإسلامي إنه لكل إنسان الحق في المعارضة السلمية، وإذا كان هذا لم يعجب صفوت الحجازي، فهذه مقولة فقهية في الفقة الإسلامي، نعم للمرأة وللرجل أن يعارضا عُمرًا وغيره، وأن من واجب عمر أن يشجع الناس ليقولوا رأيهم، وأن يحميهم بعد أن يدلوا بآرائهم، وهذا ما نعرفه في المجتمع الإسلامي، والمجتمع الديمقراطي، فالأزهر قرر هذه الحقيقة وقرر إلي جانبها أن الخروج المسلح، سواء من البلاك بلوك أو غيره من المجرمين، إذا أدي تطرفهم إلي إيذاء أحد من المواطنين أو تدمير الممتلكات فعندئذ هذا خروج يناظر خروج الخوارج علي الخلفاء الراشدين.. فهم لم يكتفوا بمطالبة الإمام عليّ بالاستقالة وإنما كفَّروه، مع أنه لم يكفرهم.. وهذا ما درسناه ونؤمن به، وهذا ما قاله الأزهر، فتلك هي قواعد الفقه الإسلامي أعجبت فلاناً أو لم تعجبه من المؤيدين أو المعارضين. هل تري أن الأزهر يتعرض لمحاولات الأخونة والأسلفة وأن شيخ الأزهر تحديداً يواجه ضغوطاً لإزاحته؟ - إذا نظرت إلي السفهاء وما سمعناه من جهالة عند رابعة العدوية فتلك مسئولية الجماهير في المظاهرات، وإذا نظرت إلي دعاوي التسمم فتلك مناوشات بعض الفصائل الطلابية إزاء الإدارة الجامعية ولم تكن موجهة إلي شيخ الأزهر وجدت استغلالاً من جانب بعض الأطراف لكل الأحداث، ومجموع هذا يُشعر أن من سفهاء القوم من يعمل علي هذا، ولكنّ عقلاءهم ومنهم د.محمد بديع عندما زار شيخ الأزهر قال إن الشيخ أحمد الطيب هو شيخ الإسلام بحق، وليس شيخ الأزهر فقط، وأنا شخصيًّا ألتقي د.بديع مرة بعد مرة وأشهد أنه ليست هناك مشاعر سلبية من القوم نحو شيخ الأزهر. هل تعتقد أن هناك مبالغة في الخوف من المد الشيعي في مصر خاصة أن الأزهر نفسه يأخذ بالمذهب الجعفري والزيدي في بعض الأحكام الفقهية؟ - الأخذ بالمذهب الجعفري والاستفادة من فكره وفقهه شيء، والسماح لأصحاب هذا المذهب بأن يشقوا نسيج المجتمع المصري شيء آخر.. كيف؟ عندما طالبوا بإنشاء حسينيات وهي مساجد طائفية لا يصلي فيها إلاّ هم، رفض الأزهر ولا يزال لأن الصلاة والمساجد لجمع الأمة، فالمسجد اسمه جامع، فلا يصبح وسيلة لتفريق الأمة.. كما أن العقلية المصرية من قديم مع التفتح والوسطية مع توليفة من التصوف والعقيدة الأشعرية.. والحفاظ علي مجتمعنا المصري مسئولية الأزهر الروحية، ونحن نحترم المذهب الشيعي وأصحابه في بلادهم، وقد أكد الأزهر رفضه أي اعتداء علي الشعب الإيراني.. وما حدث مؤخراً في إحدي قري مصر حادث سياسي وليس دينيًّا، وليس صحيحاً أن الدولة توجه أي مضايقات للشيعة في مصر.