"عوضنا علي الله ..املنا فيك يارب"..قالها رجل مسن بحسرة وهو يدور بنظرة في ساحة بيته المحترق ..اتكأ علي الحائط الاسود . . اقترب منه ابناؤه وما زالت آثار السواد علي جلابيبهم واجسادهم من الحريق.. يصرخ احدهم"..البهايم راحت وخزين الاكل راح ..كله راح".. هذا هو حال قرية محمود شلتوت بغرب الاسكندرية التي التهمت النيران مايقرب من 20 منزلا بلا رحمة .. لتزيد من مأساة سكانها »الأخبار» قامت بجولة ميدانية وزارت اهالي القرية .. التي تقع علي بعد أكثر من 60 كيلو مترا من مدينة الاسكندرية ويبلغ تعداد سكانها نحو 3 آلاف نسمة ،علي طريق مصر اسكندرية الصحراوي.. هي قرية في طي النسيان ، خارج حدود الوقت والتاريخ..فلا خدمات تقدم لهم ولا حتي أبسط وسائل الانقاذ اذا تعرضوا لسوء.. 5 ساعات في يوم حار مصحوب بالرياح والاتربة كانت كافية لتلتهم النيران أكثر من 20 منزلا ، بسبب ماس كهربائي ، وحتي يتحرك رجال الاسعاف بعد التعقيدات البيروقراطية التي حددت ما إذا كانت القرية تابعة لمحافظة الاسكندرية أم محافظة البحيرة .. انتهت المأساة باحتراق مواشي وقمح أهالي القرية .. المشهد العام للقرية الصغيرة كاف لكي يري أي شخص مستوي المعيشة لدي هؤلاء الاهالي ، فمناظر البيوت والطرقات لا توحي بأن مسئولا كبر شأنه أو صغر قد زارها من قبل أو وضعها في خارطة الحسبان، فهم أهالي " غلابة " مستسلمون ليس علي جدول أعمالهم سوي الاستيقاظ مبكرا لكي يذهبوا الي أراضيهم ليباشروها وسط معاناة الحصول علي الاسمدة ومياه الري . يبدأ إسماعيل عبد العليم محمد في سرد مأساته التي باغتته في ساعة قيلولة بينما كان يرقد هو وطفله وزوجته ليستريح من تعب أنهكه بعد عمله في يوم " شوب " ، قائلا:" كانت الساعة حوالي الثانية عشر والنصف وبينما أنا وطفلي وزوجتي في منزلنا ، حتي استيقظنا علي أصوات صريخ الجيران ، وقد بدأت النيران تلتهم منزلهم ليأتي الدور علي منزلنا ". يضيف " عبد العليم " هرعنا أنا وأطفالي الي الخارج ولم نستطيع إنقاذ أي شيء من محتويات المنزل فضاعت كلها وأصبحت مجرد رماد ". " أكثر من 30 رأس أغنام بالاضافة الي طيور المنزل ضاعت واحترقت "هكذا أوضح إسماعيل ، يصمت قليلا ثم يقول لا أعرف ماذا أفعل فأنا أسكن في هذا البيت بالايجار وأعمل باليومية في مجال الزراعة وبعد احتراق منزلي أسكن مع جيراني حتي يقضي الله أجلا كان مفعولا . وبجواره تجلس ابنته صاحبه ال 12 عاما " رحمة" .. بدا عليها القلق بعد تجربة مريرة عاشتها ولم يخطر بخلدها الصغير الذي لم يتجاوز حدود القرية المنسية أنها ستشاهد مثل هذه الفاجعة في حياتها .. تقول " رحمة " بصوت ضعيف " كنا نايمين الظهر ، وصحينا علي صوت صريخ جيرانا ، ولقينا البيوت بتتحرق فخرجنا هاربين " ، تكمل الطفلة حديثها :" بس الحمد لله دلوقتي خلاص مفيش نار .. الناس طفوها" . باقي حكايات الاهالي ليست ببعيدة عن قصة أسرة " إسماعيل " فالحال واحد والظروف متقاربة ولا شئ لديهم يمتلكونه سوي التضرع الي الله ليعوضهم خيرا في مصيبتهم ". وبصوت حانق يقول " وليم عطاالله" أحد سكان القرية " .. أن النيران استطاعت أن تلتهم 20 منزلا في وقت قصير بسبب عدم وجود مياه في القرية بالكامل ". ويشير الي أن التيار الكهربائي للقرية كان منقطعا ومع تمام الثانية عشرة عاد لم يستمر لمدة ثلاث دقائق حتي تحولت القرية الي بركان غاضب يلتهم ما يقابله .. ويقول الاهالي أنهم بدأوا في البحث عن مياه لكي يوقفوا زحف النيران علي باقي المنازل الا أن الرياح التي أتت بالنيران جاءت بما لا تشتهي السفن أيضا فلا توجد مياه في القرية بالكامل !!.. ويضيفو :" بدأنا في فتح " بلاعات" المجاري لكي نطفئ النيران بها ، أي عرف هذا الذي يجعلنا نطفئ النيران بمياه المجاري بعد تأخر سيارات الاسعاف " . وفي دائرة يجلس نحو 10 أشخاص من سكان القرية بجوار منزل الحاج مجدي عبد الغني ، نقترب منهم ثم نبدأ بالحديث فيرد صاحب المنزل بغضب :" عاوزين إيه " خلاص أمشوا كل حاجة خلصت المواشي دفناها والنار طفيت " . نحاول إقناعه أننا جئنا لنرفع صوته الي المسئولين لكي يروا حجم المأساة التي لحقت بهم الا أن حالته النفسية كانت أكبر من قدرتنا علي إقناعه فهو يري أن وسائل الاعلام لا تبث الا السيئ وأنها تستهدف استقرار البلاد .. يصمت قليلا ثم يبدأ في الحديث بمفرده :" انتظرنا 3 ساعات لكي نقنع سيارات الاسعاف بالقدوم لاطفاء الحريق فما بين سيارات إسعاف البحيرة والاسكندرية ضاعت القرية حتي اقتنعوا في النهاية بأن الامر ليس بحاجة الي بيروقراطية الادارة وما هو الحيز الجغرافي التابع له القرية المنكوبة " .