هل يمكنك أن تتخيل أشهر ملكة في التاريخ الفرعونى.. وقد ارتدت نظارة سوداء.. وثوباً من الترتر الأسود.. قصيراً ومكشوف الظهر.. تحمل شمسية سوداء فى يدها.. وترتدى كعبا عاليا تحيط بها وصيفاتها الشهيرات لترقص على أنغام الموسيقار الألمانى »هاندل« التى كتبها فى القرن السابع عشر؟ وهل يمكنك أيضا أن تتخيلها وقد ارتدت زى راقصة بوذية ترقص على أنوار الشموع العملاقة التى تحيط بمعبد هندى قديم؟ أو ترتدى ثياب الفروسية الشائعة فى بريطانيا القرن التاسع عشر، وتدور حول نفسها وهى تغنى الأغانى الكلاسيكية التى زين بها هاندل أوبرا «يوليوس قيصر» التى قدمها مسرح المتروبوليتان الامريكى وشاهدناها فى القاهرة فى عرضها الفضائى المبثوث عالميا. بل اننا لم نكتف بذلك.. بل رأيناها.. تستحم عارية فى حوضها الشهير.. وترتدى ثيابا شفافة من وراء ستارة امسكت بها وصيفاتها. هذه الرؤية المعاصرة .. لأوبرا هاندل قدمها المخرج المسرحى الكبير ديفيد ماكفيكار مستغلا ديكورات مدهشة. جمعت بين أزمان مختلفة وليروى بواسطتها دخول يوليوس قيصر إلى مصر.. بعد انتصاره العسكرى على خصمه «بوجي» وأسر زوجته تورديليا وابنه ساكرس.. وهناك فى مصر يواجه قيصر نزاعا على السلطة بين بطليموس واخته الشابة كليوباترا كل منهما يرغب فى الجلوس على عرش مصر.. وكل منهما يسعى لإرضاء قيصر والحصول على مساعدته، بطليموس يقدم له رأس خصمه بوجي.. على طبق من فضة وأخته كليوباترا تستعمل كل دهائها الانثوى لاغراء قيصر.. دون أن تدرك انها سقطت فى حبه.. وأنها ستعيش معه.. قصة حب لاهبة.. ستتحول إلى أسطورة يكتب عنها المؤرخون والشعراء. ولكن هاندل لا يكتفى بهذه الأوبرا التى ألفها فى آخر مراحل حياته برواية قصة كليوباترا وقيصر.. وإنما يمتد.. ليعبر عن طريق الموسيقى عن حقد كورديليا ورغبتها فى الانتقام من بطليموس الشاب الذى قتل زوجها. وتتصاعد الأحداث الدرامية التى عبر عنها الموسيقار الكبير بموسيقى هى مزيج من الميلودي.. ومن الغناء الأوبرالى الشديد الصعوبة. وقد استعان المخرج بكل أدوات الابهار لكى يجعلنا نقبل هذا النص الدرامى والموسيقى.. الذى يتجاوز عرضه الأربع ساعات ونصف الساعة.. لا يشعر بها المتفرج نظرا للابتكارات المسرحية التى يقدمها المخرج، ولقوة الأصوات الأوبرالية التى استعان بها لتقديم عمله الكبير هذا. ناتالى ديساي.. التى سبق أن شهدناها فى عروض المتروبوليتان أكثر من مرة خصوصا فى اوبرا «لاترافياتا» تعود بقوة خارقة لتقدم لنا صورة تكتم الأنفاس عن الملكة المصرية بكل أبهتها وأنوثتها وسيطرتها ودهائها، أداء غنائى عالى المستوى تصاحبه قوة درامية تمثيلية.. قل أن نجدها فى مغنية أوبرا، الغناء هو هدفها الأول وليس التمثيل. كذلك جاء أداء ديفيد دانبلرز، الذى لعب أخيرا دور قيصر.. والذى اعتمادت أن تلعبه مغنيات الاوبرا واستطاع أن يصل إلى النقاط العالية من صوته الذى يخرج به الصوت الانثوى والصوت الذكورى.. فى خليط مدهش سبب التصفيق الحاد له عقب كل «اريا» غناها. عرض استثنائى هذا الذى رأيناه على شاشة المسرح الصغير بالاوبرا، ودرس شامل فى الاخراج والديكور والغناء والرؤية الفنية المبتكرة.. لتقديم عمل كتبه صاحب فى منتصف القرن السابع عشر، وقدمه مسرح المتروبوليتان بنكهة عصرية مدهشة جعلته أقرب إلينا من جميع العروض المؤلفة فى هذا الزمن.