عودة جيدة لأفلام (التحرى الخاص) التى كانت سائدة فى الخمسينيات والستينيات فى السينما الأمريكية.. وكان كبار المخرجين وكبار النجوم يتولون الدفاع عنها.. وتجسيد شخصية هذا (التحرى الخاص) القادر على فك الألغاز الكثيرة التى تحيط بجرم ما، والذى يتمكن دائماً من قلب الأحداث رأساً على عقب، وأحياناً يتورط فيها شخصياً.. كما فى رائعة بيلى وايلدر (تعويض مضاعف) أو (شارع الغروب).. وكان هناك نجوم كبار اختصوا فى تقديم نماذج لا تنسى من شخصية هذا (التحرى) كهمفرى بوجارث، أو فريد ماك جورى أو وليام هولدن. ولكن هذه الموجة البوليسية تراجعت قليلاً فى السنوات الأخيرة، لتحل محلها شخصية رجل المخابرات الذى لا يقهر من أمثال جيمس بوند أو جون بطل (الداى هارد) وهاهو فيلم أمريكى جديد يأتينا باسم (المدينة المحطمة) ليعيد لنا رسم هذه الشخصية المثيرة.. وليربط بين أحداث سياسية وعاطفية ويكشف بقوة مدى انتشار الفساد والرشوة والقتل فى المحيط السياسى الأمريكى خصوصاً فيما يتعلق بالانتخابات سواء كانت رئيسية أو فرعية.. وعلاقة السياسة المباشرة بالفساد المالى، والرشاوى الكبيرة التى تدفع لتحقيق مشاريع إسكانية كبيرة على حساب الفقراء والطبقات الفقيرة. الفيلم الجديد يلعب بطولته (راسل كرو) الذى نشاهده هذه الأيام أيضاً يلعب دور الشرطى (جافير) القاسى القلب فى فيلم (البؤساء) الذى خرج خاسراً إلى حد ما.. فى مسابقة الأوسكار الأخيرة.. إلى جانب مارك وايلبرج (الذى اشترك فى إنتاج الفيلم) والحسناء كاترين زيتا جونز. الأحداث تبدأ بداية خفيفة وكأننا أمام مأساة خيانة زوجية، فالسياسى الكبير هاستلر (راسل كرو) يتهيأ لخوض الانتخابات العامة لكى يفوز بمنصب عمدة نيويورك، وخوفاً من أن يستغل خصومه حياته الشخصية خصوصاً سلوك زوجته الجميلة التى يشك فى أنها تخونه، يطلب من تحرى خاص (مارك وايلبرج)- وهو شرطى سابق كان قد اتهم بجريمة قتل غير مبررة وخرج منها بريئاً لعدم ثبوت الأدلة- القيام بالتجسس على زوجته ليعرف مدى علاقتها بغيره، ويستطيع هذا المخبر أن يكشف علاقتها بأحد خصوم زوجها السياسيين، والذى يقوم هاستلر بترتيب اغتياله ولكن وراء هذا الحدث العاطفى، تلوح روائح فضيحة مالية لمشروع سكنى كبير سيذهب ضحيته آلاف الشباب الفقراء الذين ستهدم بيوتهم، لتحل محلها عمارات ضخمة استهلاكية، والعلاقة الغرامية الآثمة لم تكن إلا غطاء زائفاً لتبرير جريمة القتل أو التخلص من خصم عنيد فى يده الأدلة على فساد هاستلر المرشح للعمودية!! كما نرى فيلم جديد ومثير.. يكشف الغطاء بقوة عن القوى الخفية والنزاعات التى تدور فى الوسط السياسى الأمريكى.. ودور رجال المال فى الوصول إلى أهدافهم ولو كان ذلك عن طريق القتل والخداع وتزييف الحقائق. فيلم صغير.. يخفى وراءه مشكلة حارقة.. ووسيلة لكى يلعب (راسل كرو) دوراً مدهشاً وشديد الإقناع، ويتيح لنا الفرصة للتمتع بجمال كاترين زيتا جونز المبهر، وبقوة مارك وايلبرج العضلية.