فيما يبدو أننا ننتظر دائماً أن تأتي الرياح بما تشتهي السفن وحتي وان جاز ذلك في العديد من المواقف إلا أنه لا يجوز علي الإطلاق في المواقف التي تكون إسرائيل طرفاً فيها وتلك حقيقة ليس بها أدني مبالغة.. ان الصراع العربي الإسرائيلي ولا نقول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لما ينطوي عليه ذلك من خدعة تريد اختزال الصراع وتعتيم الرؤية حول المخطط الإسرائيلي الأكبر والأوسع ولو للحظات أو بعض الوقت بما يحقق المصالح الإسرائيلية في جميع الأحوال أول هذه الثوابت في ذلك الصراع الممتد والطويل والمعقد هو أنه صراع حتمي تحكمه خلفية عقائدية توراتية جامدة لا يوجد لها مكان الا في العقلية الإسرائيلية وحدها ولكنها تملك القدرة علي فرضها علي الآخرين عنوة تارة وبالمداهنة والالتفاف والمراوغة تارة أخري ومن ثم فهي لا تعمل وفق القواعد والقوانين المتعارف عليها لذلك لابد وأن تفشل أي محاولة للمفاوضات أو التسوية أو حتي للوصول إلي أرضية تفاهمية حول ذلك الصراع.. العامل الثاني في هذه الثوابت هو أن ذلك الصراع له هدف أعلي وحتمي بالنسبة لهم وبالنظر لخلفيته العقائدية التي تضفي عليه صفة القداسة والشرعية في ذات الوقت ومن ثم لا يجوز بأي حال من الأحوال التفاهم حول أي من النقاط التي يحويها أو تقديم أي تنازلات بل ان الأمر قد يصل في معظم الأحوال إلي إدانة المفاوضات حوله واعتبارها في لحظات التطرف من قبيل أعمال الخيانة ولاسيما بصدد مجموعة من القضايا التي تصير في هذه الحالة بمثابة تابوهات أي "محرمات" لا يجوز لانقول الاقتراب منها ولكن حتي الحديث بشأنها. من الثوابت الأخري في ذلك الصراع علي الأقل بالنسبة للجانب الإسرائيلي الذي يفرض وجهة نظره بمساندة المجتمع الدولي والقطب الوحيد المتحكم في إدارة العلاقات الدولية "الولاياتالمتحدةالأمريكية" هو صراع حتمي تصادمي لا يعرف التصالح أو التسوية ولكنه يؤمن بأنه لابد أن يختفي أحد الأطراف لصالح الطرف الآخر لذلك فإن فكرة إقامة كيانين متجاورين أحدهما إسرائيلي والآخر فلسطيني لا يمكن التسليم بها من الجانب الإسرائيلي حتي وإن استخدمتها كأحد أساليب المراوغة والمناورة والدليل علي ذلك هو أن نتنياهو قد رفض رفضاً قاطعاً تجميد بناء المستوطنات علي الرغم من تلك الإغراءات التي قدمتها له الإدارة الأمريكية علي حد ما نشر في وسائل الإعلام وهو بالقطع علي خلاف الحقيقة لأن ذلك يعد أحد الثوابت في السياسة والعقلية الإسرائيلية علي اعتبار أن هذه الأراضي تعد ملكا لهم بوعد من الله ولا يجوز لمخلوق أن يتنازل عنها لأن ذلك يعد كسر وصية في الناموس "التوراة" وخروجا عن وصايا وتعاليم الله لذلك فإن التمسك بمسمي الدولة اليهودية بدلاً من الإسرائيلية مفاده أمران الأول هو التأكيد علي المسحة الدينية والكهنوتية للدولة الإسرائيلية وفي ذات الوقت تخصيصها وعدم ضمها لأي أجناس وشعوب أخري وذلك هو نص توراتي حيث مكتوب عن شعب إسرائيل أنه شعب يسكن وحده ومع الشعوب لا يحسب أي أن ما يسري علي الشعوب لا يسري عليه هو شعب متميز ومن ثم فإنه في ظل الدولة لن يسمح لعرب "1948" بالتواجد فيها وهو ما يعني طردهم خارج الجدار العازل الذي يلف مدينة أورشليم القدس التي قد أعلنوا أنها العاصمة الأبدية لدولة إسرائيل وهي الدولة التي لابد أن يتوسطها أي يبني في وسطها الهيكل ولكن مع ذلك فلا مانع من أن يتعاملوا وفقاً لقواعد ممارسة اللعبة السياسية ولا مانع من أن يجلسوا إلي مائدة المفاوضات ويظهروا للعالم كله أنهم شعب متحضر وشعب يريد السلام ويسعي وراءه ولكن في نفس الوقت يضعون العراقيل بحرفية ليست بخافية علي أحد ولكنك لا تملك أن تفعل حيالها شيئا وهم يعرفون تماماً ما هي نقاط الضعف في الطرف المواجه لهم ويعملون علي الايقاع بهم في براثن الذرائع والفتن التي ما أسهلها بالنسبة لهم والتي قد تصل في بعض الأحيان إلي حد التدمير أي العنف الدموي والحروب الأهلية وقد رأينا ذلك الانشقاق ما بين فتح وحماس وجهود المصالحة التي هي مضيعة للوقت وكيف نجحت إسرائيل في تفريع وتفريغ الصراع وجعلته محليا أي ما بين الفلسطينيين وكيف أنها ايضا قد أحرجت أبومازن في الجولة الأخيرة من المفاوضات وقد وضعت الرجل في موقف حرج نكذب إن قلنا انه لم يكن معروفاً لدينا أو لديه ولكنه لا يملك حياله شيئاً فالمعطيات في الموقف مفروضة عليه.. لذلك لم يكن من الغريب ان تكون جولة المفاوضات الأخيرة أحد الأسباب التي يمكن أن تقود إلي الوقيعة ما بين السلطة ذاتها وهو ما قرأنا عنه مؤخراً حول محاولة "دحلان" وزير الداخلية الأسبق تنظيم ميليشيات مسلحة تعمل معه ضد أبومازن وتلك الانتقادات الحادة التي يوجهها لأبومازن حول أسلوب إدارته للصراع وهو ما يثير في ذات الوقت حفيظة أبومازن وغضبه علي دحلان وهو ما ينذر بمزيد من الانشقاق الذي يصب لصالح الجانب الإسرائيلي.. لقد أعلنت جريدة الجارديان عن موت السلام وحملت المقال عنوان السلام المائت وقد كان ذلك من وجهة نظر المقال نتيجة إعلان أوباما عن أنه قد كف عن محاولة إقناع رئيس الحكومة الإسرائيلية "نتنياهو" بتجميد بناء المستوطنات وقد عزوا ذلك إلي حالة إفلاس أوباما والأكثر من هذا وذاك فهم قد رأوا أن حالة الإفلاس التي يعاني منها أوباما علي المستوي العام وطموحه في الحصول علي ولاية ثانية سوف تعني انسحاب الدور الأمريكي من الشرق الأوسط لأن تدخل أوباما الذي أفلس ولم يعد في جيبه علي حد تعبير المقال سوي بعض من الفكة لن ينفقها في هذا الملف ولكن سيحاول أن يستغلها لتحقيق ما يطمح فيه وهو الحصول علي ولاية ثانية والحقيقة أن الدور الأمريكي منذ البداية كان ضعيفاً حتي وإن كان يعلن خلاف ذلك كما أنه علي الرغم من البداية القوية التي جاء بها أوباما للحكم وإعلانه عن تصميمه وعزمه علي إقامة الدولة الفلسطينية قد تراجعت الآن لا بالكف فقط عن إقناع نتنياهو بتجميد المستوطنات ولكن ايضا الإعلان أو قبول أن إقامة كيان مستقل للفلسطينيين هو عمل مجرم.