بينما كنت أتحدث عن خطورة تغييب العقول في عصرنا الذي نعيشه بأساليب شديدة التعقيد وتقنيات عالية وأفكار شديدة الجاذبية ومصطلحات لا تحمل من منطوقها شيئاً بالنسبة لما تهدف إليه. شاركت في إعدادها وترتيبها وصكها عشرات العقول المدربة علي هذه الصناعة استنكر أحد الحضور نظرية المؤامرة باعتبارها وسيلة الضعفاء لتبرير ضعفهم في الدفاع عن حقهم. بالفعل كان صديقي محقاً في جزء من كلامه المتمثل في اتجاه الضعفاء لتفسير كل ما يحيق بهم علي أنه مؤامرة ضدهم. لكن صديقي لم يكن محقا في انتفاء وجود المؤامرة كآلية للتعامل الدولي علي مدي التاريخ وإن كان الذي تغير حالة التعقيد في صناعتها فلم تعد نتاج فكر فرد يخطط وإنما صارت صناعة تشارك فيها مراكز بحث بها عشرات العاملين المدربين ذوو الخبرات العملية في مواقع حساسة في الدول وبالتالي فإن مواجهتها يحتاج نفس الجهد التي صنعت به بل أكثر حتي يتم تفويت فرصة المتآمر في تحقيق غرضه. قلت لصديقي الذي يرفض وجود النظرية بماذا تفسر ما قامت به السفيرة الامريكية من إغراء لصدام بغزو الكويت بقولها له انه لا توجد بين أمريكاوالكويت اتفاقيات دفاع مشترك في اشارة تشجيعية له بغزوها فلما فعلها جاءت أمريكا إلي الخليج. وهو المطلوب الذي كانت تسعي إليه. وقبل ذلك دبرت حرباً بينه وبين إيران لتأديب ايران علي عملية الرهائن الامريكيين في سفارتهم بطهران. وماذا يمكن أن نقول في سقوط الاتحاد السوفيتي التي أكدت الوثائق التي خرجت وكتبت تنوع المؤامرات وليست مؤامرة واحدة ويمكن ان تراجع كتاب:" من الذي يدفع للزمار" وما ذا يمكن ان نقول فيما حدث في افغانستان إبان الصراع الامريكي السوفيتي. بل ماذا يمكن ان نقول حول بيان "سكوت بنيت" الذي كشف العلاقة بين الامريكان والمنظمات الارهابية كما جاء في كتاب الكاتب الصحفي عاطف الغمري: المؤامرة الكبري الذي صدر في سلسلة " كتاب الجمهورية" بمقدمة ضافية للكاتب الصحفي سيد حسين رئيس تحرير الكتاب آنذاك كما نشر ادوارد سنودن وثيقة تؤكد العلاقة الامريكية الداعشية جاء فيها نقلا عن كتاب المؤامرة الكبري أن أبا بكر البغدادي قائد داعش هو رصيد سري للمخابرات المركزية الامريكية وأن الولاياتالمتحدة وإسرئيل ومعهما بريطانيا مسئولة أصلا عن ظهور داعش وأن جميع المنظمات المرتبطة بالقاعدة أو التي تفرعت عنها بما فيها داعش تعمل لحساب امريكا التي تتولي تسليح وتدريب الجماعات الارهابية التي سيطرت علي مساحات كبيرة من سوريا والعراق. ويقول جيمس سكايلر القائد السابق بمعسكر بوكا القريب من قرية أم قصر العراقية في الفترة من 2006/2007: "إن المعسكر تحول إلي معمل تفريخ للمتطرفين وفي هذا المعسكر تمت السيطرة النفسية علي عقل السجين ابو بكر البغدادي". هذه نماذج سريعة لأدلة وجود المؤامرات وصناعتها بشكل يزعج الدول علي مستقبلها ويقلق الوطنيين أنفسهم في كل خطوة يخطونها وهو أمر يدفعنا إلي الدعوة إلي أهمية حماية الوعي حماية يستطيع من خلالها ألا يقع في شباك مثل هذه المؤامرات وهو يتصور أنه يحسن صنعا. ومن المؤكد أن تسليط الضوء علي مثل هذه المؤامرات والتخويف منها فضلا عن تربية الشباب تربية دينية واعية بجوهر دينها ومقاصده بحيث يصعب علي التنظيمات الارهابية إغراءه. فكما نعلم أن داعش اعتمدت في كثير من جذبها للشباب واسقاطهم في مستنقعها علي الجهل بالدين والسطحية فاتجهت إلي حديثي العهد بالإسلام في أوروبا وحدثتهم عن عودة العزة الاسلامية والخلافة وغيرها من المصطلحات البراقة حتي وجدوا أنفسهم في هذا المستنقع وكذلك اتجهت إلي الشباب الجاهل بالدين المتحمس له في البلاد المسلمة خاصة البلاد التي لا تضع الثقافة الدينية في خريطة بناء شبابها فحدثت المآسي التي نتجت عن ذلك ومازالت تحدث. لكن الأهم أن عملية كشف مثل هذه المؤامرات وتوضيحا للباب يحتاج إعلاماً متعلماً واعياً مدرباً وليس اعلاما سطحيا يهتم بأشياء أبعد ما تكون عن مقاصد الاعلام في بناء الدول.