قادتني الصدفة يوم الجمعة الماضي للصلاة في أحد المساجد علي أطراف حي مدينة نصر بالقرب من الطريق الجديد الموصل بين الحي العاشر ومحور المشير طنطاوي. وقد كان سبب هذه الصدفة هو تغيير مسار الطريق لاحتلال سوق السيارات العشوائي شارع أحمد الزمر أهم شرايين مدينة نصر علي مسافة تمتد لأكد من خمسة كيلو مترات تخنق الحي بالكامل علي مرأي ومسمع من رجال المرور الذين استسلموا تماماً لهذه الفوضي.. ويأملون مثلهم مثل سكان الحي البؤساء أن يتم نقل هذا السوق الذي يجمع تجار السيارات من كل محافظات مصر إلي خارج القاهرة كما وعد المسئولون بذلك! المهم سارعت إلي هذا المسجد والساعة تقترب من الثانية عشرة وسبع دقائق موعد أذان الجمعة أو الظهر كما اعتاد الناس الصلاة في موعدها في سائر وعموم المساجد كما كنت أتصور أو أعتقد! ولكن عندما دخلت إلي المسجد وأديت صلاة تحية المسجد وجلست وانتظرت أذان الصلاة في موعدها. وأخذ الوقت يمضي حتي مضي علي توقيتها أكثر من سبع دقائق دون أن يتقدم مقيم الصلاة لرفع الأذان. وهنا أدركت أن هذا المسجد ربما له نظامه الخاص فسألت أحد المصلين بجانبي: "لماذا لا يرفع الأذان؟! فأجابني دون دهشة كمان شوية" .. وهنا تيقنت أنه إذا كان الأذان يتأخر عن موعده كل هذا الوقت.. فربما تطول خطبة الجمعة إلي ما يقرب من موعد أذان العصر كما كان يفعل أحد خطباء المساجد بالقرب من ميدان رمسيس في فترة تاريخية معينة خاصة في عهدي الرئيسين السادات ومبارك وكان يتسبب في إغلاق هذا الشارع الحيوي في العاصمة. وكان يفعل نفس الشيء أيضاً أحد المساجد الكبري بمصر الجديدة والتي كان يسيطر عليها قادة الإخوان.. حيث اعتاد إمام المسجد وكان من كبار علماء الأزهر أن يلقي درساً قبل الصلاة غير خطبة الجمعة.. وكان لا يكترث بموعد أذان صلاة الجمعة؟ ويظل يلقي درساً.. وكثيراً ما كانت تحدث مشاحنات بينه وبين بعض المصلين الغرباء عن الحي الذين لا يعرفون نظام هذا المسجد.. وكان للأسف لا يتردد في سب بعض المختلفين معه في الرأي بألفاظ خارجة أقلها "وحياة أمك"؟!.. ويبرر موقفه أيضاً بقاعدة أن صلاة الجمعة ممتدة. *** المهم.. عندما قفزت إلي ذهني هذه الهواجس من الذاكرة.. سارعت بمغادرة المسجد وسرت حوالي 500 متر حتي ذهبت إلي مسجد آخر كبير في منطقة سوق الحي العاشر.. عرفت من الإمام أثناء خطبته أنه يستقبل عدة آلاف من المصلين يوم الجمعة.. ولكنه وجه اللوم إلي المصلين الذين لا يحضرون الدروس الدينية التي ينظمها.. ثم يتساءل البعض بعد ذلك عن تقصير أئمة المساجد! كان الإمام وقد ظننته غير جامد بل معتدلاً ولا سيما أن خطبته لم تطل.. وهو ما شجعني أن أتوجه إليه بعد الصلاة لأسأله عن رأيه في بعض المساجد التي لا ترفع أذان الجمعة في موعده خاصة أن هذا المسجد الكبير تشرف عليه وزارة الأوقاف. وكانت قناعتي اننا تعلمنا صغاراً من سورة الجمعة أهمية إقامة صلاة الجمعة في موعدها في الآية الكريمة: "يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلي ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون". وكانت المفاجأة لي أن هذا الإمام أخبرني ان تأخير أذان الجمعة أمر عادي لأن صلاة الجمعة ممتدة.. وأنه شخصياً في هذا المسجد تأخر اليوم عن رفع الأذان 5 دقائق.. وأنه بذلك يعطي فرصة للمصلين لأداء صلاة السُنَّة خاصة أنه يكتفي بأذان واحد. وعندما بدأت أناقش هذا الإمام من منطلق ما تعلمناه وما جري العُرف عليه في كل مساجد مصر.. تعامل معي علي طريقة الفنان أحمد راتب مع الفنان عادل إمام في فيلم "الإرهابي" "لا تجادل كثيراً يا أخ علي"..!! بالطبع لم أستسلم لهذه الطريقة الديكتاتورية في الحوار حتي ولو كان رأيه يستند إلي فقه ديني أعتقد أنه يمكن أن يحدث بلبلة بين المصلين خاصة الشباب الذين يمكن أن يؤخروا حضورهم لصلاة الجمعة عن موعدها.. كما أنه يجسد المشكلة الكبري التي تتمثل في رفض الحوار وتواجه تجديد أو تصويب الخطاب الديني.. وكان الله في عون وزير الأوقاف الذي لا يستطيع السيطرة علي رجاله فما بالك بالمتطرفين والدخلاء علي الدين! قلت للرجل حتي لو كان هذا صحيحاً فقهياً فإنه جري العُرف في كل المساجد أن يؤذن لصلاة الجمعة في موعدها ويؤدي المصلون صلاة السُنَّة ثم يصعد الإمام إلي المنبر ويؤذنُ أذانى ثاني قبل أن يقف يلقي السلام علي المصلين ويبدأ خطبة الجمعة.. هكذا تعلمنا صغاراً منذ عشرات السنين وهكذا جري العُرف في عموم مساجد مصر المعتدلة التي تخضع لوزارة الأوقاف والتي لا تترفع علي تعاليم وتقاليد الوزارة ومن بينها قضية الأذان الموحد الذي عجزت الوزارة للأسف للإمام الشاب متسائلاً: عن جدوي مواقيت الصلاة الإلكترونية المعلقة أمام المصلين أو حرص الإذاعة المصرية المسموعة والمرئية علي قطع برامجها لإذاعة الأذان في موعده وأهمه أذان صلاة الجمعة التي تَشْرُف مصر المعتدلة دينياً بنقله منذ نشأة الإذاعة المصرية. للأسف تعامل معي هذا الشيخ الشاب بتعالي شديد وأنهي المقابلة والنقاش أو الحوار الذي أكدت له ثانية أن الإسلام دين العقل يحث عليه ويدعو له. واصطحب الإمام بعض الشباب الذين وقفوا يستمعون مندهشين لحواري معه.. ولم أملك إلا أن أشفق عليهم من أسلوب هذا الشيخ الجامد الذي لا يقبل نقاشاً أو اختلافاً معه حتي ولو كان في الرأي وليس في الدين!