رغم كل ما يقال عن انحسار الصحف الورقية وتأثير "النت" وشبكات المحمول والتواصل الاجتماعي عليها.. إلا أني شخصياً لا أظن. ولا أتوقع أن يحدث ذلك أو ينسحب. خاصة علي جريدتنا "الجمهورية" لأسباب كثيرة يطول شرحها.. وها هي تحتفل بعيدها الخامس والستين في تواصل وازدهار رغم أن مثل هذه الأقاويل التي اعتاد أن يرددها المتشائمون تردد منذ أكثر من عشر سنوات. وتبقي "الجمهورية" في رأي الكثيرين حالة خاصة. باعتبارها جريدة الشعب. لاسيما منذ عهد باعثها الأكبر الأستاذ الراحل الكبير محسن محمد في منتصف السبعينيات من القرن الماضي. حيث جعل لها شخصية صحفية متفردة ذات طابع مميز يرتبط بالقارئ وحده. خاصة في الأوساط الشعبية الحضرية والريفية والثقافية. .. وأذكر للأستاذ محسن محمد في أحد الاجتماعات الدورية التي كانت تُعقد مع أسرة التحرير بصالة الأخبار بالمبني القديم. وكان يسمح للمحررين الشباب المتدربين بحضورها أنه قال بصراحة وتواضع الكبار الواثقين في أنفسهم: إننا لن نستطيع منافسة الصحيفتين الكبيرتين في ذلك الوقت "الأهرام" و"الأخبار".. ولكننا نستطيع أن نجتذب قارئاً جديداً لم تعتد هذه الصحف التركيز معه. وشغل اهتمامه الخاص. ليس بصفحات الرياضة التي كانت تميز "الجمهورية" وحدها.. ولكن بطرق أبواب جديدة تحوذ اهتمام رجل الشارع وتسليط الأضواء علي نوعية معينة من المواطنين. لم تعتد هذه الصحف الكتابة عنهم. وعن حياتهم ومشكلاتهم. خاصة الذين يعملون في دأب وصمت. وقال إنه لا يحبذ علي سبيل المثال الكتابة عن نجوم معروفين مثل فاتن حمامة أو نجيب محفوظ.. ولكنه يطلب الاهتمام بنجوم الصف الثاني والثالث في كل المجالات.. ففي الفن مثلاً يمكن تسليط الضوء علي "الكومبارس" الذي يعمل في السينما. ويعد أحد أساسياتها. ولكن لا أحد يعرفه أو يتحدث عنه. وكذلك مثلاً الموظف البسيط في الإدارات الحكومية. أو عسكري المرور الذي يعمل في عز الحر والبرد. وقد يفقد حياته دون أن يشعر به أحد.. أو ساعي البريد. أو كناس الشارع.. وغيرهم من جنود مجهولين. حمل أحد الأبواب هذا العنوان. وطافت "الجمهورية" الحواري والأزقة. تتحدث عن هذا التراث العريق وأهله من المصريين الأصلاء. الذين أكل الدهر علي بعضهم وشرب.. وكذلك اهتمت "الجمهورية" بالمشاكل الإنسانية. ومن بينها العنوسة للشباب والشابات. الذين فاتهم قطار الزواج. وخصصت أبواباً لمن يريد عروساً. ومعها أسعار العفش والأثاث وأماكن إقامة الأفراح. وارتبطت "الجمهورية" علي مدي سنوات طويلة بهؤلاء البسطاء الذين نشرت أعياد ميلادهم بجانب نجوم الفن والمجتمع. واهتمت "الجمهورية" بالأوساط الاقتصادية والتجارية والاستعمارية بدءاً من صفحة "شقة للإيجار" التي اهتمت بأهم مشكلة كانت تواجه المصريين وقتها وهي أزمة الإسكان. عرف طلاب المدارس والجامعات طريقهم بشكل مختلف علي صفحات الجريدة من خلال أخبار الشباب والتعليم. والأسر الجامعية والاتحادات الطلابية. وكانت "الجمهورية" لا تتردد في نشر أخبار ومشكلات التجار ورجال الأعمال الشرفاء بعيداً عن شبهة الإعلان التي كانت تتحسب لها الصحف الأخري. بل نشرت أخبار الوفيات مجاناً لمعاونة ذويهم الذين لم يكن بقدرتهم دفع التكاليف الباهظة. التي تُدفَع للصحيفة الشهيرة لهذا الغرض. واهتمت "الجمهورية" بالحياة السياسية وأخبار الأحزاب. ونواب البرلمان في ظل التعدد الحزبي الذي سمح به الرئيس السادات. * * * وقد كان من المدهش أن تقلد كل الصحف المصرية والعربية الأخري التي خشي الأستاذ أن ينافسها. لكي تنقل بالشكل والمضمون نفس سياسة تلك المدرسة الصحفية الجديدة التي صنعتها "الجمهورية" في سلاسة ودأب وتواضع. لتصبح الآن هي المدرسة الأشهر في كافة الأوساط والمدارس الصحفية. ولم تتوقف مسيرة التطوير والابتكار في "الجمهورية" منذ هذا الإصدار الثاني لها في منتصف السبعينيات وحتي الآن.. فأخذت علي سبيل المثال إضافة كبري في عهد الاستاذ الكبير "محفوظ الأنصاري" أطال اللَّه في عمره.. فأخذت لمحة سياسية ودبلوماسية. واهتمام أرحب بالصفحة التعليمية وما عرف بملحق التعليم.. ويبتكر الكاتب الكبير سمير رجب في عهده أبواباً جديدة تعد تطويراً لمدرسة السبعينيات. وكان ما يعرف بصحافة المواطن. ويتمثل في الخط الساخن "139" الذي يتبني مشاكل المواطنين لحظة بلحظة. ولا يتردد هذا الباب في كشف كل أوجه الخلل أو الإهمال. أو الفساد في أي مكان بحرية وشفافية كاملة. تنحاز للمواطن وتؤكد مناخ حرية الصحافة والتعبير الذي يحظي بها بلدنا حتي الآن. رغم أنف الحاقدين والمتآمرين علي هذا الوطن. وتبرز "الجمهورية" في هذه الفترة خير معبر عن الوطنية والتجرد في أسمي معانيها للانحياز للدولة وجهود القيادة السياسية في التصدي للإرهاب وبناء مصر الحديثة.. يقودها الصحفي القدير عبدالرازق توفيق. رئيس التحرير.. ويدعم مسيرة "الجمهورية" الإدارية والتنموية ابنها البار الأستاذ سعد سليم.. أعانه اللَّه والزملاء المخلصون للحفاظ علي مسيرة النجاح. ولاستمرارية ذات هذا الطابع الوطني والشعبي الخاص. الذي يحفظ هذه الجريدة. بل وكل صحف المؤسسة من أخطار الظروف الاقتصادية التي يقال إنها يمكن أن تهدد الصحافة الورقية.. ولكني أزعم أنها سوف تظل تواصل رسالتها وفي المقدمة منها جريدتنا وجريدة القارئ المفضلة.. جريدة "الجمهورية".. وكل عام وقراؤها والعاملون فيها بكل خير.