كان وسيظل صاحب نوبل الأديب العالمي نجيب محفوظ وأدبه طاقة إبداعية متجددة وبئرا لا يجف. ومع الذكري ال 12 لرحيله تجدد الجدل حول مواقفه "الناعمة" من تجاوزات ثورة يوليو ولهذا بادرت المبدعة الدكتورة نجاة علي لتأكيد أن كاتباً مثل نجيب محفوظ لا يوصم بالجبن وهو الذي قدم في كتاباته أقسي وأعنف نقد يمكن أن يقال لسلطة يوليو. أضافت في تصريح خاص ل "الجمهورية" ليس الأديب في ظني مطالبا بأن يكون ناشطا سياسيا.خاصة أن سلطة يوليو في تلك كانت سلطة لا ترحم وأي خروج عن الخطوط الحمراء كان يقابل بقبضة حديدية ويكفي أن نذكر أنه عندما انتقد الدكتور لويس عوض فكرة القومية العربية في محاضراته خرج من كرسيه كأستاذ جامعي ومستشار لوزارة الثقافة إلي سجن الواحات مباشرة وهذا ما جري مع كل مفكر سولت له نفسه الخروج علي فكر نظام ثورة يوليو ومبادئه. أضافت: ومع ذلك تعرض نجيب محفوظ لمتاعب كثيرة بسبب كتابته. فقد كان مهددا طوال الوقت هو وأسرته و بعد رواية نشر رواية أولاد حارتنا و صدرت فتاوي بإهدار دمه علي يد بعض المتشددين دينيا فقد أصدر الشيخ عمر عبد الرحمن أمير تنظيم الجماعة الإسلامية الفتوي الشهيرة التي أفتي بها لمريديه عندما أبلغوه برواية سلمان رشدي آيات شيطانية. قال الشيخ عمر: لو أننا قتلنا نجيب محفوظ من 30 سنة مكنش طلع سليمان رشدي. د.نجاة علي صدر لها مؤخرا في سلسلة كتاب الهلال كتابها الراوي في روايات نجيب محفوظ "خصوصية الراوي" وعن هدف تلك الدراسة والذي سجلته نجاة في مقدمة كتابها تقول: الهدف الرئيسي من موضوع الدراسة هو الكشف عن خصوصية الراوي في روايات نجيب محفوظ من ناحية. واكتشاف جماليات خاصة بفعل الكتابة الروائية لديه من ناحية أخري. الحياد وإذا كان وصف محفوظ قد حير الكثير من الباحثين والكتاب والمثقفين من قدرته علي أن يبدو محايدا في كتاباته مما دفع البعض لتصور خوفه من الإعلان الصريح عن مواقفه وآرائه فإن نجاة علي تري في ذلك السياق أن محفوظ لم يكن كما اختزلته بعض الكتابات النقدية "كاتب البرجوازية الصغيرة" فيما وصفه محمود أمين العالم وعبدالعظيم أنيس في كتاب "في الثقافة المصرية" 1955 ولم يكن مجرد كاتب يساري ملتزم بقضايا مجتمعه علي نحو ما وصفه غالي شكري في كتابه "المنتمي" 1964بل كان الكاتب الذي استطاع أن يتجاوز بوعيه. عبر مراحله الإبداعية المختلفة بداية من الرواية التاريخية ومرورًا بالروايات الواقعية وانتهاء بالرواية ذات الطابع الفكري التأملي. كونه مرآة لعصره فحسب ليعبّر عن تاريخ البشرية. فكانت كتاباته تجسيدًا لمسيرة الحياة برمتها. حيث يستحيل فصل الوجود الفردي عن ملحمة الوجود. أضافت: ويمكننا أن نتخذ من روايات: الطريق وأولاد حارتنا وملحمة الحرافيش ورحلة ابن فطومة مثالاً علي تداخل الموقف الفلسفي بالموقف الصوفي بالموقف التاريخي ولم تكن الحارة التي عبّر عنها دومًا مجرد "حارة عادية" بل تحولت بفعل الرمز إلي "حارة كونية" يروي فيها الكاتب حكاياته عن "مسيرة الطغاة في العالم" ويطرح من خلالها أيضًا تساؤلاته الوجودية العميقة عن معني الحياة والموت. وقالت: ورغم أن الروح العامة لكتابات نجيب محفوظ تضفي علي راويه - للوهلة الأولي - صفة الحياد الظاهري والتي تنسحب أيضًا علي مجال صراع العقائد والأفكار في روايات هذه المراحل التالية مما جعله تقريبًا موضع إجماع دائم علي مكانته من أغلب التيارات الفكرية فإن الدراسة المتعمقة لوضعية السارد ووجهة النظر تظهر أن هذا الحياد ظاهري مزعوم فرغم أنه يتيح لقارئه أن يتعرف علي وجهات النظر المختلفة لأحداث الرواية فإنه ليس محايدًا للنهاية.