مع صافرة النهاية لمباراة مصر وروسيا.. انطلقت سيول النقد والانتقاد والشتائم لمنتخبنا الوطني ومدربه كوبر وكل من له علاقة بكرة القدم. انتقادات ساخنة وأحيانا ساخرة.. ولكنها تعبر عن ثلاثة اتجاهات مهمة لمن يتابع السوشيال ميديا. الاتجاه الأول: من شعر بالألم والحزن وكان لديه الحلم في تحقيق إنجاز.. فضاع الحلم.. وحل محله الألم والحزن. الاتجاه الثاني: من وجدها فرصة لممارسة هوايته في النقد والشتيمة ووجد ضالته لمدة أسبوع علي الأقل في هذه الهزيمة. الاتجاه الثالث: من وجدها فرصة للهجوم علي مصر والحكومة وكل شيء.. كالعادة في استغلال أي ظرف أو موقف أو انتكاسة.. ولا يهم النتيجة.. بل المهم انها فرصة للانتقام والإساءة في كل شيء وأي شيء. وسط هذه الاتجاهات الثلاثة يبدو في الأفق اتجاه رابع هادئ بسيط.. لايسمع أحد صوته وهو من يريد أن نتعلم الدرس ويري ان مصر أكبر من الهزيمة وأكبر من الخروج من المونديال.. وأن الكرة والرياضة بشكل عام هكذا.. فائز ومهزوم وبينهما فرحة وألم.. تنتهي مع حدث آخر.. المهم أن نستفيد من الدرس ونتعلم للقادم. لم ولن تتوقف السيول الناقدة والساخرة إلا إذا حدث حادث جديد يشد الاهتمام ويسحب البساط من أحداث المونديال.. هكذا هو جمهور السوشيال ميديا.. وهكذا نحن دائما.. ولا نريد أن نتعلم ولا نريد أن نستفيد. ولعل السؤال الأول الذي يطرح نفسه برغم هزيمتي مصر أمام أوروجواي ثم روسيا هو: ألم يكن هناك أي شيء ايجابي في هذه المشاركة؟ المؤكد ان هناك ايجابيات عديدة ولكنها ضاعت وسط ألم الهزيمة وضياع الحلم.. فلماذا لا نبحث عن هذه الايجابيات لندعمها ونزيد منها ونبني عليها؟ وفي نفس الوقت ندرس السلبيات ونعالجها ونبني من جديد من حيث انتهي الآخرون. لعل الدرس الأول الذي يجب أن نتساءل عنه هو: ما الفرق بين فريقنا الوطني والفرق الأخري المشاركة في المونديال وكنا نتمني أن نكون مثلها؟ هل الفارق في اللاعب أم المدرب أم النظام الكروي المحلي هنا وهناك؟ الحقيقة ان الفارق في الثلاثة.. بل أيضا في الجمهور والمتابعين والمحبين والمشجعين. لن أبدأ بالعنصر الرئيسي وهو اللاعب بل سأبدأ بالعنصر الثالث وهو النظام الكروي في بلدنا.. وأتساءل: إذا كان الإسماعيلي هو ثاني الدوري والمصري هو الثالث وسموحة هو الخامس.. أي أن ثلاثة فرق من الخمسة الأوائل لا يوجد منهم لاعب واحد في المنتخب فماذا يعني ذلك؟ يعني أن هناك خللا في النظام الكروي أساساً.. وإذا كان هناك من يتذكر فإن مصر كانت تستعد لبدء دوري المحترفين عام 2010 بشكل احترافي عالمي وجاءت أحداث 2011 وتوقف كل شيء ولم يقدم أحد جديداً.. ورحم الله سمير زاهر رحمة واسعة كان لديه رؤية كاملة في هذا الاتجاه؟ ليس لدينا دوري حقيقي ينتج نجوما نستفيد منهم وليس لدينا نظام كروي حقيقي مثل الدول التي نتمني أن نكون مثلها.. ومن هنا تكون البداية؟ لابد من نظام كروي ودوري كروي حقيقي محترم نهتم فيه بكل عناصر اللعبة دون استثناء.. ويكون لدينا رؤية في الاستفادة من المبدعين خاصة صغار السن.. وتعالوا ندرس ظاهرة محمد صلاح.. فهذا اللاعب المميز تألق عام 2018 بشكل استثنائي لماذا؟ لانه يلعب في دوري مميز.. ومع مجموعة لاعبين مميزين وفي أسلوب ومناخ كروي صحيح.. ويدربه مدرب فاهم عرف كيف يستفيد منه ويعظم في الايجابيات التي يتميز بها ويقلل من السلبيات التي تلازمه أحيانا.. فهو مثل أي لاعب في العالم له مميزات وسلبيات والمدرب الناجح يعرف جيدا كيف يخلق الأجواء التي تساند نجما مثل صلاح في إبراز ايجابياته واخفاء عيوبه. وهذا يجرنا إلي المدرب كوبر الذي فشل في فهم اللاعب المصري وظل مقتنعا بأن الدفاع هو أفضل وسيلة للحفاظ علي شباكه نظيفة بينما في أي فريق الهجوم أفضل وسيلة للدفاع.. لقد أخطأ كوبر جدا في فهم اللاعبين المصريين سواء علي المستوي الفردي أو المستوي الجماعي.. قد يكون أفضل مدرب بشكل عام لكنه لم يكن أبداً أفضل مدرب لمنتخب مصر.. ورحم الله الجوهري وأمد الله عمر حسن شحاتة ومنحه الصحة.. فمثلهما الكثير في مصر ويحتاج إلي دعم وثقة.. أما المدرب الأجنبي الذي يصلح للكرة المصرية فإنه في حاجة إلي حسن اختيار ودقة في اتخاذ القرار. نعود إلي النظام الكروي الذي يجب أن يكون محل اهتمام حقيقي سواء في التغذية أو الصحة أو الإعداد أو الانتقاء الجيد للعناصر والمواهب التي تمتلئ بها مصر في الشوارع والأندية ومراكز الشباب والمدارس. وسأعود إلي نموذج محمد صلاح مرة ثانية فهذا اللاعب كان أحد ناشئي نادي اتحاد بسيون ولا يعرفه أحد واختير ضمن مسابقة للمدارس والناشئين رعتها احدي شركات المياه الغازية وأنتجت هذه المسابقة عشرات الموهوبين الذين شقوا طريقهم للنجومية وكلهم في جيل واحد اهتم به جدا مدرب مصري متميز في منتخب الشباب هو ضياء السيد. الاهتمام باكتشاف المواهب ثم الاهتمام بإعدادهم سواء في التغذية أو العلاج أو التدريب الذي يتوافق مع أعمارهم السنية وبالتدريج يخلق أجيالاً قتالية من النجوم في كل أنواع الرياضة. لقد كانت آمال جماهيرنا كلها تتجه نحو صلاح وكأنه المنقذ.. وهذا صحيح جداً ولكن في حالة أن يكون لدينا فريق جيد ومنظومة مميزة ومدرب فاهم لطبيعة اللاعبين وامكانياتهم.. لقد انتهي عصر المعجزات.. لكن الإنجازات مستمرة ولها أسبابها وأدواتها العلمية والفنية وعلينا أن نأخذ بالأسباب ونهتم بالأدوات ونعمل حساب كل عنصر لنحقق النجاح المأمول.. ليس في كرة القدم وحدها.. بل في كل المجالات. مطلوب وعلي وجه السرعة تقرير شاف واف كامل متعدد العناصر عن هذا الحلم الضائع وأسبابه.. يشارك فيه خبراء في كل المجالات سواء علم النفس العام والرياضي والاجتماعي والكرة بكل عناصرها والإعلام بكل أدواته والاستثمار الكروي واقتصاديات الرياضة.. والصحة والتغذية.. وأي عنصر آخر ممكن أن يساهم في انجاح هذا التقرير لكي يكون أساسا لعمل كبير يهتم بكل عناصر اللعبة في مصر كلها دون استثناء. نحن لم نحلم بالفوز بكأس العالم أو حتي التأهل للدور قبل النهائي.. كان حلمنا التأهل للدور الثاني وفي أكثر تقدير لدور الثمانية.. وفي أقل تقدير أن نفوز ونتعادل في أول مباراتين.. ولكن هذه هي الكرة وبدلا من جلد الذات واستغلال الفرصة لانتقاد كل شيء.. تعالوا نتعلم الدرس ونستفيد من الأخطاء. همس الروح ** حزن القلب قد يتحول إلي فرح يوماً ما أما انكسار الروح وكسر الخاطر فيحتاج علاجها إلي معجزة! ** الأذن تعشق قبل العين أحيانا.. ولكن عشق الروح أقوي وأحلي. ** قد تتمرد علي طريقة حياتك لكن لا تعلم هل التغيير لصالحك؟ ** الحب غذاء الروح.. والأمل هو الهواء الذي تتنفسه.