مصر كانت في أمس الحاجة لهذه الفرحة.. فرحة طغت علي كل شيء.. ملأت كل مصر باختلاف الميول والأهواء والأماكن.. لكن الفرحة كانت هي اللغة المشتركة بين الجميع.. مصر فازت وتأهلت لكأس العالم بعد غياب 28 عاماً. مصر تفوز.. مصر تنتصر.. مصر تعلن عن نفسها معاني هذا الفوز كبيرة وعديدة.. كتب عنها الجميع لكن هناك عدة معان لابد أن نؤكد عليها كل يوم لعلنا نستفيد منها. هل لاحظت مثلاً اللغة المشتركة بين المصريين لمدة ساعتين لحظة المباراة.. الكل علي قلب رجل واحد يقول: "يارب".. وينظر.. ويشاهد ويترقب حتي كانت لحظة الانتصار والتأهل تحولت مصر كلها إلي فرح كبير.. لغة الفرحة هي اللغة المشتركة.. صانعو السعادة منا.. أبناؤنا إخوتنا.. الصبي الذي اصطادته الكاميرا وهو يبكي لحظة هدف التعادل للكونغو.. هو نفسه محمد صلاح الذي أصيب بلحظة ضعف هيستيري فسكت وصمت ثم صرخ.. ورفض.. وقال: يارب وتحدي نفسه فكافأه الله.. بل كافأنا بضربة جزاء صحيحة هي حقنا.. ويتصدي لها ملك الكرة الجديد بثبات ويسجل.. وتلك ميزة أخري وهي ان صلاح كان يلعب بقلبه وعقله وروحه قبل أن يلعب بقدمه أو رأسه.. وذلك هو المعني الثاني في هذا الفوز.. انه محمد صلاح حالة مصرية 100% صناعة فردية ريفية محترمة عندما حصل علي فرصته كان نجم الكرة العالمي..!! صلاح اعترف أنه تدرب علي ضربات الجزاء قبل يومين من المباراة.. فهل يتدرب أحدنا علي أداء مهمته؟ في مصر مليون محمد صلاح.. في قرية نجريج بمركز بسيون بالغربية ولد طفل اسمه محمد صلاح.. في نفس اللحظة أو في نفس اليوم.. وفي نفس الشهر ونفس العام ولد كم طفلاً في قري ومدن مصر؟ في مصر مليون محمد صلاح.. رزقه الله بموهبة في الكرة.. في الشعر.. في القصة.. في الرسم.. في الغناء.. في التكنولوجيا.. في العلم.. في أي مجال.. فمن يعرف نجماً مثل صلاح؟ منذ عشرات السنين ومصر تنجب آلاف المواهب فمن يهتم؟ أحمد زويل اكتشفه العالم في أمريكا.. وصلاح اكتشفناه في الخارج؟ هل يذكر أحدنا هذا الصبي الصغير وهو يسافر يومياً من نجريج إلي طنطا ثم إلي القاهرة ليتدرب ويلعب مع المقاولون العرب؟ هل يتذكر أحد أن هذا اللاعب عندما ذهب إلي الزمالك رفضه النادي الكبير لقلة خبرته؟ هل يتذكر أحد ماذا فعل هذا اللاعب في سويسرا ثم وهو ينتقل من انجلترا إلي إيطاليا ثم يعود إلي انجلترا.. وهو مازال يحافظ علي تكوينه النفسي؟ محمد صلاح بعيداً عن المستطيل الأخضر هو شاب مصري مكافح.. خجول.. متمسك بدينه دون افراط أو تفريط.. يبذل جهده في المجال الذي أحبه وتفوق فيه وهو كرة القدم ليصبح بعد جهد كبير واحداً من أبرز نجوم الكرة في العالم.. فهل هو وحده المتميز في مصر؟ لدينا مليون محمد صلاح في مجالات الحياة كلها.. بل وفي الرياضة لكن هل ننتظر حتي يتم احترافهم في الخارج لنكتشف نجوميتهم أم أن علينا واجباً ودوراً مهماً؟ ومن يتولي هذه المسئولية..؟ لدينا وزارات الشباب والثقافة والتعليم والتعليم العالي والأوقاف والتنمية المحلية.. وعلي كل وزارة منها دور محدد.. فلو تم تشكيل مجلس قومي رعاية ودعم المواهب يضم خبراء من هذه الوزارات لرعاية سيادية كبري فإن شكلاً من الاهتمام يمكن أن ينجب أو يفرز لنا آلافاً من المواهب مثل موهبة محمد صلاح في الكرة..!! محمد صلاح ولد عام ..1992 أي بعد آخر مشاركة لنا في المونديال بعامين.. لعب محلياً وكانت الفرصة المتاحة أمامه ضعيفة فلم يلعب لناد كبير كالأهلي أو الزمالك ولم تكن له واسطة أو محسوبية لكنه تعب واجتهد وشق طريقه وكان يسافر يومياً للتدريب في المقاولون العرب.. وعندما وصل عمره إلي 18 عاماً فقط لعب أول مباراة له في الدوري الممتاز وكان لاعباً بديلاً في هذا اللقاء ليصبح بعدها لاعباً أساسياً بل ويسجل في نفس الموسم أول أهدافه في مرمي الأهلي وكان هذا الهدف كلمة السر لتألقه إعلامياً وظهر اهتمام الزمالك به ثم تراجع هذا الاهتمام بحجة أنه مازال قليل الخبرة صغير السن..!! هذا الدرس أهديه لكل شاب يجد راحته في الشكوي وأنه مظلوم في هذا المجتمع ولا يجد من يقف إلي جواره ولا يعرف طريقاً لإبراز مواهبه لأنه بلا واسطة ويظل حبيس الشكوي والبحث عن مبررات..!! ماذا لو كان الزمالك قد وافق علي انتقال محمد صلاح؟ هل كان من الممكن أن يحترف في أوروبا؟ وهل كان سينجح في الاحتراف؟ لم ييأس لأنه لم ينتقل لناد كبير.. ولأن الله يساند كل مجتهد.. فقد منحه الفرصة للاحتراف في بازل بسويسرا.. ولم يكن نجمه قد ازداد بريقاً بعد..!! محمد صلاح لم يحصل علي مؤهل عال.. اكتفي بشهادة متوسطة في اللاسلكي.. لكنه عندما احترف نجح في احترافه ويتحدث عدة لغات بشكل جيد.. وفي نفس الوقت حافظ علي نفسه ولم ينجرف في تيارات المدينة البراقة التي تخدع بعض الشباب عندما يسافر إلي الخارج.. وبفضل الله حافظ علي نفسه.. وعاد إلي مصر ليتزوج وينجب ويسمي طفلته "مكه" تيمناً بمولد الحبيب المصطفي صلي الله عليه وسلم وتيمناً بالكعبة.. هكذا قادته أفكاره.. فحمي نفسه من خداع المظاهر في أوروبا..!! محمد صلاح النجم بعد تعاقده مع ناديه ليفربول بأيام عاد إلي مصر ليحتفل مع أسرته بعيد الفطر.. وجلس مع أهله وأصدقائه وأهل بلدته علي الحصير في خلاء المسجد ليصلي العيد ويحتفل مع أهله ببساطة شديدة.. وهو نفسه الذي تبرع بثمانية ملايين جنيه لبناء معهد ديني وهو نفسه الذي يتبرع لترميم المدرسة التي تعلم فيها وهو نفسه الذي عمل أعمالاً خيرية عديدة لأهل بلده دون إعلان ودون ضوضاء لأنه يجد سعادته في رد الجميل.. ويعرف أن الأقربين أولي بالمعروف..!! لم ينس قريته ولم ينس أهله.. ومازال يتبرع قدر استطاعته لقريته..!! هذا النموذج موجود في شباب كثيرين يعملون في أوروبا.. أعرف عدداً منهم سواء في فرنسا أو إيطاليا ومازالت علاقاتهم بأسرهم وقراهم مميزة.. لكن من يحتوي ويضم هذه الجهود من أجل مصر؟ محمد صلاح عندما احترف في تشيلسي لم يفعل شيئا.. كان صديقا ملازماً لدكة البدلاء حتي اضطر لترك النادي واللعب لنادي فيورنتينا الإيطالي علي سبيل الإعارة.. فلم ييأس ولم يبحث عن شماعة.. وفي النادي الإيطالي كان احتياطياً ثم أساسياً وسجل.. وأصبح نجماً.. وهذا جزاء الاجتهاد الصادق..! ولأن الله يكافئ كل مجتهد فقد سجل صلاح اسمه في الدوري الإيطالي برقم تاريخي حيث كان مفتاح فوز فريقه علي اليوفنتوس بعد 47 مباراة ليوفنتوس دون هزيمة.. وكانت أول خسارة له بقدمي صلاح حيث سجل هدفين فاز بهما فريقه مقابل هدف واحد.. وهنا عاد صلاح للتألق واثبات وجوده واثبات ذاته.. وهذا درس آخر في مسيرة صلاح لكل شاب موهوب وهو: لا تيأس.. الفرصة المناسبة قادمة!! في رحلته الاحترافية لم يسني بلده.. ولم ينس منتخب مصر فكان جندياً في كتيبة الكرة المصرية التي تحمل علم بلده.. وتألق حتي كانت المكافأة الأكبر بتسجيل هدفي مباراة الحسم مع الكونغو.. ويتأهل للمونديال..!! درس آخر: هل تابعتم تعليقات نجوم الكرة في العالم والأندية الأوروبية وكيف تحتفي بنجم مصر العالمي.. هل شاهدتم تعليق دروجبا علي أداء زميله السابق محمد صلاح؟ هل تابعتم فرحة الانجليز والإيطاليين بفوز منتخب مصر وتأهله؟ دروس عديدة من رحلة التأهل خاصة اللقاء الصعب أمام الكونغو والذي تأهلنا من خلاله للمونديال.. لكن الدرس الأهم هو محمد صلاح الملك الجديد للكرة المصرية والدرس الأهم لشباب وناشئي مصر.. فهل وصلت الرسالة؟ لدينا مليون محمد صلاح في مصر وفي كل المجالات فمن يهتم ومن يستعد لاكتشاف نجوم جدد..؟ هل نعود لننتظر 28 عاماً جديدة لنعود إلي المونديال أم أننا تعلمنا الدرس؟ همس الروح قلوب العاشقين مملوءة بالدموع والألم ومعها الورود والفرحة. "أحبك".. كم هي رائعة تلك الكلمة عندما تكون صادقة. الصدق لغة العشق.. والاخلاص روحه. الحب لا ترويه الكلمات حتي لو كانت رائعة بل ترويه الأفعال والتصرفات.