حقق مهرجان الإسماعيلية في دورته رقم "19" الكثير من أهدافه منها اختيار الأفلام التي تربط المشاهد المصري بقضايا العالم الذي يعيش فيه سواء علي المستوي المحلي أو الاقليمي مثل استخدام السينما في محاربة الإرهاب والفكر الذي يقف وراءه كذلك دور السينما في التنبيه إلي ضرورة الحفاظ علي التراث الوطني.. وعلي المستوي التنظيمي استطاع الناقد عصام زكريا رئيس المهرجان التغلب علي العديد من المشاكل وأهمها تقليص عدد أيام المهرجان ومرت تلك العاصفة بسلام ونجح المهرجان في تقديم عروضه وبرامجه في مواعيدها وأماكنها وما حدث من تغيير خارج عن إرادة الجميع. قال عصام زكريا في كلمته ان للسينما دورا كبيرا في حربنا ضد الإرهاب والفكر الظلامي ونحن نعيش هذه الأيام في نفس أجواء التسعينيات عندما بدأ مهرجان الإسماعيلية يقوم بدوره الثقافي والتنويري ويساعدنا علي التمسك بالحياة والحرية والحب في مواجهة التطرف والكراهية والموت وهذا هو الفكر الذي يقف وراء إقامة مهرجان الإسماعيلية وغيره من مهرجانات السينما في مصر وقد ظهر ذلك واضحاً في اختيارات المهرجان للأفلام التي عرضها سواء داخل المسابقات الأربع أو في البانوراما والبرامج الموازية. تميز المهرجان هذا العام بعرض مجموعة من الأفلام التي تتناول موضوع التطرف الديني وكيفية كشف مخططاته وأهدافه مثل فيلم "راديو كوباني" إنتاج هولندي للمخرج الكردي ريبر دوسكي ويحكي عن مذيعة كردية استطاعت ان تبتكر طريقة فريدة لمقاومة احتلال داعش لمدينتها كوباني وقامت بعمل محطة إذاعية محلية لمخاطبة أهالي كوباني وهم تحت الاحتلال الداعشي وكيف استطاعت المذيعة ان تعيد روح الأمل للأهالي حتي لا يستسلموا لداعش ومن وراءهم الذين يريدون تدمير الروح والثقافة المحلية وكذلك الفيلم التركي الأمريكي "المقاومة هي الحياة" إخراج التركي أبازيدي عن تجربة فتاة صغيرة "8 سنوات" كانت تعيش في مخيم للاجئين علي الحدود التركية السورية وساهمت رغم صغر سنها في دعم أهالي كوباني لمقاومة احتلال داعش للمدينة الكردية. بالإضافة إلي ذلك عرض مهرجان الإسماعيلية أيضاً مجموعة من الأفلام التي تتحدث عن مشكلة هجرة اللاجئين من سوريا ومناطق النزاع في أفريقيا إلي أوروبا وكيف تواجه أوروبا هذه الهجرة وتستوعب الظرف السياسي والانساني الذي دفع الملايين إلي اختيار الهجرة ومن هذه الأفلام "الأشباح تطارد أوروبا" لمخرجتين من اليونان نيكي جاناري وماريا كوركوتا وهو من الأفلام التي تتميز بالمستوي الفني الراقي سواء من ناحية الصورة أو التعليق الصوتي المكتوب بوعي سياسي وفلسفي ورؤية لتاريخ أوروبا التي ساهمت في تقسيم بلاد الشرق العربي خلال القرن "19" واليوم تجني ثمار ذلك التقسيم وكأن المهاجرين مثل الأشباح التي عادت إلي أوروبا للانتقام من التاريخ الأسود الظالم للاستعمار القديم. مناسبة فنية كبري مثل مهرجان الإسماعيلية تساعدنا في تقييم المستوي الفني لأفلامنا المصرية والتسجيلية والقصيرة وأفلام التحريك التي قدمها فنانونا خلال العام الماضي وجاءت اختيارات المهرجان لأفلام جيدة وان كانت قليلة العدد "4 أفلام فقط" في مسابقات المهرجان وأهمها فيلم "سوف تطاردك المدينة" للمخرج أحمد نبيل "72 دقيقة" تسجيلي طويل ويحكي بأسلوب شاعري يناسب الحزن علي الإسكندرية التي تفقد هويتها ومبانيها القديمة وعنوان الفيلم مأخوذ من قصيدة للشاعر اليوناني السكندري كفافيس وفي فيلم 3 شخصيات تحكي عن حياتها في الإسكندرية منها مهندس الصوت الكبير أحمد سليمان الذي عاش ما بين عامي "1917-2013" بالإضافة إلي اثنين من الشباب ارتبطا أيضاً بمنازل عريقة بالإسكندرية لكن رحلة الهدم والبناء استمرت في المدينة التي تحاول بالكاد الحفاظ علي تراثها المعماري ولكن معاول الهدم مازالت تعمل حتي اليوم رغم قرارات وزارة الآثار. حصلت مصر علي جائزة أحسن فيلم رسوم عربي من لجنة تحكيم جمعية الرسوم المتحركة وهو فيلم "الطريق الطويل" للمخرج عادل بدراوي وناقش الفيلم التسجيلي القصير "نقطة الباء" للمخرجة هناء الرخاوي حياة الطرق الصوفية وأسس هذا الاتجاه الديني الذي يمثل الإسلام في مصر من خلال تجربة عمرها مئات السنين . وفي مسابقة الأفلام الروائية القصيرة نافست مصر بفيلم "خليل.. عن أمور في غاية الأهمية" إخراج إسلام شامل ويناقش المشاكل التي يتعرض لها رجلَْ محال حديثاً إلي المعاش. وفي النهاية يبقي التأكيد علي نجاح تجربة فصل رئاسة المركز القومي للسينما عن رئاسة مهرجان الإسماعيلية وهو قرار الدكتور خالد عبدالجليل بتولي الناقد السينمائي عصام زكريا رئاسة المهرجان وهي بالتأكيد تجربة جديدة تستحق الاستمرار خاصة ان الناقد عصام زكريا ليس غريباً علي مهرجان الإسماعيلية في دوراته السابقة وطوال 20 عاماً كما ان خبرته السينمائية وثقافته وقدرته علي التعامل الناجح مع الجميع أتاحت له الفرصة للعبور بهذه الدورة الصعبة إلي بر الأمان رغم الظروف غير المتوقعة ومفاجأة اختصار يومين من زمن المهرجان ورغم ذلك تمت جميع فعاليات المهرجان في جو من الوعي والتفاهم والحرص علي تجاوز الاخطاء في الدورات القادمة.