قضية الرشوة المتهم فيها مدير عام المشتريات والتوريدات بمجلس الدولة جمال اللبان ومغارة علي بابا التي تم ضبطها في منزله. وشركاؤه الفاسدون الذين مازالوا أحراراً حتي الآن. والقضايا الأخري التي تكشف عنها الرقابة الادارية بصورة شبه يومية. كلها علامات تثبت ان حل مشاكل مصر المزمنة ليست في يد حكومة المهندس شريف إسماعيل ولا في برلمان الدكتور علي عبدالعال.. وأن حلول الأزمات الاقتصادية لا يملكها خبراء الاقتصاد واساتذة الجامعات. وأن العلاج اللازم لمعاناة المصريين من هذا الارتفاع الفاحش في الأسعار ليس متوافراً لدي وزارة التموين أو جهاز وجمعيات حماية المستهلك أو أجهزة الرقابة علي الأسواق.. بل ان الحل والعلاج لذلك كله يكمن فينا نحن. لأن سنة الله في خلقه تقول "إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم" ونحن نرفض ان نتغير ونصر علي أن يظل الفساد هو العنوان الرئيسي لكل أفعالنا وهو العلامة المميزة والقاعدة المعمول بها في كل دواوين وهيئات الحكومة وأروقة الجهاز الاداري للدولة. وأصبحت الرشوة والمحسوبية هما أساس التعامل بينما الشرف هو الاستثناء.. وأصبح استحلال المال العام أمراً مشروعاً.. و"النهب" و"الغرف" من المال العام والخاص شيئاً مستباحاً. إن جهود وخطط الحكومة والاستراتيجيات والرؤي التي يضعها الخبراء لن تجدي ولن تؤتي ثمارها طالما استمر هذا الفساد المتغلغل في كل موقع وجهة ومؤسسة حكومية. لأن هذا الفساد ينتشر كالسوس ينخر في الجسد المصري العليل. يأكل لحمه وعظامه ويمتص دماءه بلا رحمة ولا هوادة. وخطورة هذا الفساد وهذا السوس لم تعد فقط فيما يحققه من ثروات طائلة علي حساب الشعب. ولا في تحطيم كل جهود الدولة. وافشال خطط الحكومة التي تعتمد علي دعوة المستثمرين من الداخل والخارج للاستثمار في مصر وإقامة مشروعات جديدة توفر فرص عمل للشباب العاطل وتزيد الانتاج وتحسن الخدمات التي يتم تقديمها للمواطنين. لكن خطورته تكمن في انتشاره بين بشر يظنون ان فعلهم أمر طبيعي وبزنس مشروع ومتداول ولا غبار عليه. وأن العمولات والرشاوي التي تدفع من فوق ومن تحت الترابيزة هي رزق قد كتبه الله لهم. ولذلك تجد الفاسدين والمرتشين يسرقون ويرتشون ثم يحجون ويعتمرون ويبنون مساجد ومستشفيات خيرية بأموالهم الحرام وهم لا يدركون أن الله طيب لا يقبل إلا طيباً وأنهم يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً. وانه سبحانه يقول "وقدمنا إلي ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً". والفساد أخطر علي مصر من الإرهاب ومن المؤامرات الخارجية ومن إسرائيل ومن أمريكا ومن الإخوان ومحاربته لا تقل أهمية عن محاربة الجهل والفقر والمرض والعنف. والفاسدون في اعتقادي أخطر علي مصر من الإرهابيين. لأن الإرهابي قد يقتل شخصا أو عدة أشخاص وقد يتسبب في خسائر بالآلاف أو ملايين الجنيهات. لكن الفساد قد يقتل جيلاً بأكمله ويدمر اقتصاد أمة.. والقضاء علي هذا الخطر لا يتم بالنوايا الحسنة ولا بالتصريحات الوردية ولكن بالضرب بيد من حديد علي كل فاسد ليكون عبرة لمن يعتبر. وبأن نغير ما بأنفسنا حتي يغير الله ما نحن فيه.