ولا حديث يعلو فوق ذكريات حرب النصر والفخار لقواتنا المسلحة وأبطالها الأفذاذ في حرب 1973 الخالدة التي أعادت لمصر كبرياءها وعزتها بعد أن خاضت معركة العبور العظيم في حرب إعادة الشرف والأرض. وفي هذه الذكري العظيمة التي نستعيد فيها عبقرية أنور السادات في الخداع الاستراتيجي وقراره الشجاع في المبادرة بالهجوم لعبور أكبر مانع وعائق مائي في التاريخ والمتمثل في قناة السويس. فانني أتحدث عن سيدة عظيمة من مصر هي جيهان السادات التي كان ظهورها علي مسرح الأحداث متزامناً مع هذه الحرب. وأتذكر أنه أثناء مجريات الحرب. فقد وصلنا إخطار من الجيش بإصابة ضابط من أقاربنا هو عبدالفتاح البرعي الذي تم نقله إلي مستشفي القبة العسكري. وهرعنا إلي المستشفي نسأل.. أين عبدالفتاح؟ وما مدي إصابته؟ وهناك وفي أحد عنابر الضباط وجدناها ولم نعرفها.. سيدة جميلة ذات ابتسامة ساحرة واثقة.. تقدم نفسها لكل ضابط مصاب.. أنا حرم رئيس الجمهورية.. وأنت يابطل قد قدمت لمصر الكثير.. وجاء الدور علي مصر أن ترد لك جزءاً مما قدمته.. وعلاجك في أي مكان في العالم إذا لم يكتب لك الشفاء في مصر. وكنا نبكي ونحن نسمع هذه الكلمات المؤثرة من جيهان السادات التي لم نكن نعرفها.. وكانت صيحات الضباط تتعالي بالمطالبة بأن يعودوا إلي الجبهة رغم جراحهم وإصاباتهم.. كانت الروح عظيمة.. وكانت مصر كلها تتمني وترغب وتطلب الشهادة في أقدس الحروب وأشرفها. *** وتمر الأعوام.. ويكتب لي أن أعمل لعدة سنوات مع الرئيس الراحل أنور السادات مندوباً لجريدة "الجمهورية" في رئاسة الجمهورية وأتعرف عن قرب عن واحد من أكثر الرؤساء بساطة وتواضعا وقدرة علي تسيير أمور الحكم بسلاسة ودهاء. واغتالوه.. لأنه لم يكن مراداً لمصر أن تنطلق وأن يكون لها قرارها المستمر. وفي الولاياتالمتحدةالأمريكية وبعد اغتيال السادات في 1981 بأعوام قليلة ذهبت إلي واشنطن مراسلاً لصحيفة "الجمهورية" هناك. وأتت جيهان السادات إلي واشنطن تقدم وتعرض لكتابها الذي تقوم بتأليفه بعنوان "سيدة من مصر" وتلقي عدة محاضرات هامة هناك. وحضرت أستمع لجيهان السادات.. وكان المجتمع الأمريكي. المؤثر متواجداً كله يستمع لسيدة من مصر.. روزالين كارتر زوجة الرئيس جيمي كارتر وبيتي فورد زوجة الرئيس جيرالد فورد.. ونانسي ريجان زوجة الرئيس الأمريكي رونالد ريجان الذي كان رئيساً للولايات المتحدة في ذلك الوقت.. والدكتور هنري كيسنجر مهندس وعراب كامب ديفيد. وذهبت بعدها إلي حفل استقبال علي شرف السيدة جيهان أقامه الراحل الكبير محمد حقي الذي كان مستشاراً إعلامياً لمصر في واشنطن أيام السادات. وهناك قابلت السيدة جيهان التي كانت تقف مع العشرات من السفراء والدبلوماسيين الذين جاءوا للترحيب بها. ولم أتردد في أن أسرد أمام الجميع واقعة رؤيتي للسيدة جيهان للمرة الأولي وكيف كانت زياراتها للمصابين في الحرب هي روشتة العلاج السحري لهم.. وكيف أدت دورها مع نساء مصر في هذه المعركة. وابتسمت السيدة جيهان بينما كانت نظرات الإعجاب والثناء علي السيدة الأولي تعطيها من الجميع تقديراً لسيدة من مصر كتبت سطراً هاماً في تاريخ المرأة العربية وانتقلت بها من الصفوف الخلفية إلي الواجهة في تطور لم يكن معهوداً أو مألوفاً. ولكنه كان مؤثراً وواضحاً. واليوم وفي ذكري معركة أكتوبر الخالدة كتبت عن هذه القصة وفاءً وعرفاناً لسيدة من بلدي كانت نموذجاً للفخر والاعتزاز. وحين أرسلت إلي صحيفتي بعد سلسلة محاضرات السيدة جيهان في واشنطن أدعو إلي استثمار اسم أنور السادات في أمريكا بتعيين السيدة جيهان السادات سفيراً لنا في واشنطن فإن الخبر مع المقال لم ينشرا وكانت الأسباب بالطبع واضحة. *** وأكتب عن أنور السادات.. الرئيس الذي أرسلته العناية الإلهية إلي مصر ليعبر بها من الهزيمة إلي النصر.ولأن أنور السادات قد انتصر وحقق المعجزة وأزال آثار هزيمة 1967 المريرة فإن الذين يكتبون التاريخ من منطلق الحب أو الكراهية لم يمنحوه حقه ولم يحتفلوا به كواحد من عظماء هذا القرن كانت له رؤيته الثاقبة ونظرته البعيدة.. وقراءته العميقة الواعية لمجريات الأحداث. ويستحق أنور السادات أن يكون دائماً في مصاف القادة التاريخيين العظام لمصر كواحد من الرؤساء الذين عملوا بكل الاخلاص من أجل مصلحة مصر وشعبها.. وكواحد من أبرز السياسيين الذين أجادوا التعامل بلغة الشعب فكان واحداً منهم يتحدث بلسانهم وليس بعيداً أو غريباً عنهم واستطاع ببساطة وقيمة وشموخ الإنسان المصري أن يقود هجوماً ناجحاً للسلام في العالم جعل من مصر أسطورة ومن أنور السادات أعجوبة. وفي ذكري العبور العظيم لا يمكن إلا أن نستعيد ذكرياته بطلاً للحرب والسلام. *** ولجيش مصر العظيم كل التقدير والاعتزاز.. رجال ضحوا بأرواحهم في سبيل أن تبقي مصر عزيزة بين الأمم.. استشهدوا دفاعاً عن الشرف والكرامة.. قادوا أكبر ملحمة للعبور أذهلت العالم بقوة التنظيم والإرادة.. كانوا أسوداً مصرية تستعذب الشهادة فكتب الله لهم النجاة والفوز والثأر لهزيمة مريرة لم يكونوا طرفاً فيها في حرب لم يخوضوها وانتهت قبل أن تبدأ في يونيو .1967 واليوم نتذكر أيضاً أبطال حرب أكتوبر من القادة العظام. الفريق أول أحمد إسماعيل وزير الحربية والفريق سعد الدين الشاذلي رئيس الأركان واللواء محمد عبدالغني الجمسي رئيس العمليات واللواء طيار حسني مبارك قائد القوات الجوية. واللواء بحري فؤاد ذكري قائد القوات البحرية واللواء محمد علي فهمي قائد قوات الدفاع الجوي واللواء نوال سعيد رئيس هيئة الإمداد والتموين واللواء محمد سعيد الماحي مدير سلاح المدفعية واللواء كمال حسن علي مدير سلاح المدرعات واللواء جمال محمود علي مدير سلاح المهندسين العسكريين واللواء فؤاد نصار مدير الاستخبارات العسكرية واللواء نبيل شكري قائد قوات الصاعقة وغيرهم من القادة الذين تعتز بهم مصر وتفخر لأنهم صنعوا تاريخاً لا ينسي.