تتعدد الثورات في تاريخ مصر لتعلو إرادة الشعب.. ولكن تبقي لثورة يوليو 1952 المجيدة التي تحتفل هذه الأيام بذكري مرور 64 عاما عليها أثرا عظيما في نفوس المصريين من الكبار الذين عاصروها وأيضاً الشباب الدارس الواعي لتاريخ بلاده. وإذا كانت الثورة كل ثورة هي التغيير الأساسي والمفاجيء في الأوضاع السياسية والاجتماعية ويقوم به الشعب أو فريق منه في دولة ما فإن "الثورة" التي قامت في مصر كانت في يوم 23 يوليو سنة 1952 وهو اليوم الذي كان بداية لمرحلة جديدة ومجيدة في تاريخ النضال.. وبعده أدار الشعب المصري فيه ظهره نهائياً لكل الاعتبارات البالية والرواسب المتخلفة.. إذا ما عادت إلي الذاكرة كل جحافل الشر والظلام التي كانت تربص بكل عود أخضر للأمل ينبت علي وادي النيل العظيم وذلك مثل الغزاة الأجانب.. الأسرة المالكة.. الإقطاع.. رأس المال المستغل. والذي لا شك فيه تاريخيا وواقعيا ان واقع "المجتمع المصري" قبل هذه الثورة كان مظلماً مريراً. فمن الناحية السياسية جثم الاستعمار بمساعدة أعوانه علي أنفاسه وكتمها ومن الناحية الاجتماعية تحكم الاقطاع والرأسمالية المستغلة في لقمة العيش ومن الناحية الاقتصادية ساد التخلف الزراعي واضمحلت النهضة الصناعية بما فيها من ارتجال وعدم تخطيط ولكن الشعب والمعلم صانع الحضارة بعون من الله عز وجل ثم طليعته الثورية استطاع في صبيحة يوم 23 يوليو 1952 أن يرفع رأسه عالياً في مواجهة هذا الواقع المرير المظلم معلناً مبادئه الستة المشهورة وفي مواجهة جيش الاحتلال البريطاني الرابضة في منطقة قناة السويس كان المبدأ الأول هو القضاء علي الاستعمار وأعوانه من الخونة المصريين وفي مواجهة تحكم الاقطاع الذي كان يستبد بالأرض ومن عليها كان المبدأ الثاني هو القضاء علي الاقطاع وفي مواجهة تسخير موارد الثورة لخدمة مصالح مجموعة من الرأسماليين كان المبدأ الثالث هو القضاء علي الاحتكار وسيطرة رأس المال علي الحكم وفي مواجهة الاستغلال والاستبداد الذي كان نتيجة محتمة لهذا كله كان المبدأ الرابع وهو إقامة عدالة اجتماعية وفي مواجهة المؤامرات لإضعاف الجيش واستخدام ما تبقي من قوته لتهديد الجبهة الداخلية المتحفزة بالثورة كان الهدف الخامس هو إقامة جيش وطني قوي وفي مواجهة الزيف السياسي الذي حاول أن يطمس معالم الحقيقة الوطنية كان الهدف السادس هو إقامة حياة ديمقراطية سليمة. ولقد استطاع هذا الشعب المصري المعلم أن يحرك هذه المبادئ الستة بالاشتراك مع الطليعة الثورية "قادة الثورة" بالمحاولات والخطأ ليرسم تصميما هندسيا عبقريا لمجتمع جديد له حصاده المشرف ومعالمه الجليلة.