حين تعتاد اتساع السماء باتساع عينيك وترامي الأرض أمام دأبك وامتداد الجبال كامتداد تراث تحمله.. قتتوجك الطبيعة بدور البطولة وتتوجها فإن اقتراب هدير المحركات لعالمك حيث تصبح هي البطل السيد لكفيل بإدخالك في أزمة وجود . ومن هذه الفكرة ومن بيئة جبلية سهلية بدوية رائعة الطبيعة والهدوء في آسيا الوسطي جاءنا هذا الفيلم القيرغستاني Heavenly Nomadic وترجمته بالعربية ¢بدو سمائيون¢ للمخرج القيرغستاني الشاب Mirlan Abdykalykov. في ثاني تجاربه الإخراجية بعد فيلمه الأول القصير Pencil Against Ants . الفيلم دراما بصرية تنقلنا أولي لقطاتها لعالم من الطبيعة والهدوء والبراح بكادر متسع يستعرض هذه البيئة الطبيعيةالهادئة التي يقدم لها تهادي فرس قادمة من بعيد براكبها في هدوء كبير. هكذا أدخلنا الفيلم لجوه العام لتبدأ قصته التي تدور حول أسرة بدوية من قيرغستان تتكون من رب الأسرة ¢تيبالدي¢ وزوجته المسنة و¢شاير¢ زوجة ابنهما المتوفي و¢أولان¢ الحفيد الأكبر الذي يدرس العمارة في المدينة و¢أومسوناي¢ الحفيدة الصغيرة ذات السبع سنوات . ومن خلال هذه الأسرة وبيئتها ونمط حياتها البسيط نلمس جمود التقاليد والتخوف من الحداثة .. هذه الأزمة التي يطرحها الفيلم من خلال دراما سلسة غير مفتعلة مفتوحة النهاية لطرح إنساني ومجتمعي . واضعا المشاهد مكان حيرتهم بغوصه في حياتهم وعالمهم الخارجي والداخلي ليستخلص بنفسه مميزات وسلبيات الاستسلام لأي من الجانبين . فبقدر ما ظهر من عذوبة وهدوء عالمهم الطبيعي الزاخر بالتراث لمسنا جمود التقاليد وقسوة حكمها . وبقدر ما نتجه إليه تلقائيا من التسليم بضرورة الحداثة بقدر ما استطاع إفزاعنا مما يمكن أن تفعله في هذا المجتمع الهاديء ابن الطبيعة الذي جذبنا. وبشكل ناجح استطاع المخرج ودون مباشرة عرض أزمة الفيلم متمكنا من الولوج بنا للعالم الداخلي لهذه البيئة من خلال ثلاثة أجيال كل منها لها مخاوفها سواء الجدة التي تمثل الجانب الأصلب والمتشدد في الانحياز للتقاليد والتي تخشي هجر زوجة ابنتهم لهم خاصة وقد بدا إعجاب عالم الأرصاد الجوية ¢إيرميك¢ بها فتستخدم لتحذيرها من الاقتراب منه أسطورة الطائر ¢سوتاك¢ الاسم الأصلي للفيلم عن ساحر سحر زوجة ابنته في صورة هذا الطائر لأنها كلمت أحد الغرباء. والجد الأكثر مرونة واتزانا من الجدة وتقبلا لمقتضيات الحداثة وشاير زوجة الإبن المتوفي التي تشعر بحب إيرميك لكن الواجب والتقاليد يمنعانها من التخلي عن أسرة زوجها المتوفي فتعيش حرمانا وعذابا مؤلما . وحتي الطفلة ¢أومسوناي¢ التي تعاني فقدان والدها فتتهلل كلما رأت نسرا في السماء ظنا منها أنه والدها بعد أسطورة سمعتها من جدها عن صياد تحول لنسر يتابع عائلته ويرعاهم. زخر الفيلم بالجانب الأنثروبولوجي الإثنوجرافي المعبر عن ثقافة وتقاليد هذا المجتمع الصغير بتصويره لمعظم جوانب حياة هذا المجتمع وثقافته . بدءا من الطقوس والميثولوجيا والأساطير التي تعكس الكثير من المعتقدات وصولا للأثاث الخالي من أي أجهزة كهربية مع نمط النشاط الدائم والحركة الدؤوبة من الجميع طوال اليوم خاصة شاير في الرعي وجلب المياه . وكانت الصورة الغنية بكادراتها التشكيلية المميزة البطل الأساسي والتي استعيض بها عن أي إسراف في الحوار وأي أفكار مباشرة . مع مؤثرات صوتية نابعة فقط من الطبيعة فالفيلم تقريبا خال من الموسيقي إلا في أجزاء محدودة جدا بآلة من الطبيعة. حتي دلالاته الدرامية قدمت من خلال الطبيعة كما في المشهد الهام الذي ينتقل بنا من هدوء الطبيعة وخرير المياه لصوت مفزع للجرارات بتضاد مقصود . مع لقطة نقوش الأجداد علي الصخور. فصور المخرج خطر المدنية القادم دون أي كلمة مباشرة. ولا يمكن إلا أن نتوقف مع أداء الشخصيات الذين كان أداؤهم جميعا خاصة الجد والجدة وشاير طبيعيا وتلقائيا وبسيطا. ويأتي المشهد الأخير المفتوح التوقعات هادئا صامتا يترك سؤالا يستنتج إجابته المشاهد من تعبير وجوه السيدتين والطفلة المتأملات لشيء غامض حين يتذكر ما قاله إيرميك يوما ¢ إنهم سيبنون طريقا للسكك الحديدية في منطقتنا¢