من أوجه رحمة الله بالبشر انه جل وعلا قد أعفي الإنسان من تبعة الأحكام العامة فيما حمله الإنسان مما أشفقت منه السماوات والأرض والجبال ألا وهي الأمانة وهذا يعني انه لا توجد مفاهيم مطلقة في حياة الإنسان فلا توجد هناك حرية مطلقة أو عدالة مطلقة أو جمال مطلق أو شجاعة مطلقة.. لا يوجد مفهوم مطلق أبداً في سلوكيات الإنسان بل كل مفهوم له حدود وهي عدم الإضرار بالنفس أو بالغير فالإضرار بالنفس عقابه إلهي أما الإضرار بالغير فعقابه إلهي وبشري ومن هنا فلا يوجد مفهوم مطلق إلا الإيمان بالله عز وجل.. ومن هنا فلا يوجد مفهوم مطلق وحتي هذا لا توجد مفاهيم مطلقة في التعبير عنه فالإيمان بالله وحده يعبر عنه البعد عن المحرمات بكل أشكالها التي وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية. والمبدأ الفقهي ان كل شيء حلال إلا ما نص علي تحريمه فهل هناك تحريم عام وتحريم خاص؟ بمعني آخر هل هناك تحريم لكل البشر في كل زمان ومكان وفي كل الأحوال؟ المطلع علي الأحكام الفقهية في مختلف القضايا يجد انه لا يوجد تحريم عام بالمعني الذي أوضحناه فتحديد الأمر المحرم يكون بحكم عام يوضح ان من يأتي هذا الأمر عامدا متعمدا ودون عذر شرعي فقد أتي أمراً محرماً يقتضي العقاب الإلهي في الآخرة وأحياناً في الدنيا أيضاً إضافة للعقاب البشري إذا توافر الدليل وداخل ذلك هناك التحريم الخاص بفرد معين وربما بجامعة معينة وكل منا له حرامه الخاص به ولا يكون حراما علي الآخرين كما انه لكل منا أحوال يباح له فيها الحرام دون الآخرين كما منا أحوال يباح له فيها الحرام دون الآخرين ولا يعاقب. ولنضرب لهذه الفكرة المركبة مثالا تطبيقيا يسري علي أحد المحرمات بل الكبائر ألا وهو قتل بشكل عام ويحل للإنسان القتل إذا كان في حال الدفاع عن النفس أو الدين أو الوطن أو العرض أو المال ولا يعاقب بل يثاب ولكن هناك حراما خاصا في هذا الأمر فلو ان من يحاول الاعتداء علي أقوي مني بكثير ولن أستطيع قتله بل أنا من سيقتل ان حاولت قتله.. ومعني ذلك انه سيحصل علي كل ما يريد ولكنني لو احجمت عن محاولة قتله حفاظا علي حياتي وحاولت استخدام الحيلة للنجاة أو الفرار بأقل الخسائر كان ذلك أجدي وأنفع وهذا ما فعله خالد بن الوليد في سرية مؤتة حين انسحب بجيشه لتفادي مواجهة لم تكن متوقعة مع جيش الروم الذي يتفوق في العدد والعدة فأشاد به الرسول "صلي الله عليه وسلم" وأسماه سيف الله ولكن هذا الحرام الذي أبيح لخالد لا يعني أن ينسحب كل قائد من معركة يظن انها غير متكافئة فئة كثيرة بإذن الله. القائد هنا يتحمل مسئولية تقديره للموقف وهل يتطلب الانسحاب أم لا. وللحديث بقية