في شارع رمسيس وقفت بجانبي سيارة فاخرة تقودها سيدة جميلة وبجانبها طفلة صغيرة وطلبت مني بحياء شديد 50 جنيها لبنزين سيارتها لأن لصاً خطف حقيبتها وتريد العودة لبلدتها بالإسكندرية فقمت بإعطائها ما طلبت. وبعد أسبوع وأنا أسير في حي المعادي شاهدت نفس السيارة وتلك المرأة تطلب من رجل يسير مع عائلته مساعدتها فصعقتني المفاجأة باكتشاف طريقة جديدة للتسول وسرقة الناس بمد اليد التي لم تعد قاصرة علي عمال النظافة في الشوارع والميادين وبإشارات المرور وأمام أبواب المساجد فقط. هذه الحكاية أعادتني إلي فكرة موضوع صحفي طرحه رئيس التحرير منذ سنوات علي فريق عمل للعيش وسط مافيا التسول فتقمصت زميلة جريئة الدور وعاشت في شوارع القاهرة وخرجت بمعلومات صادمة منها ان لكل منطقة زعيماً مسئولاً عن عصابته ولا يمكن اقتحامها إلا بعد استئذانه وتسليمه "الغلة" اليومية. وكانت حصيلة ما جمعته خلال ساعات قليلة 500 جنيه. أما الحقيقة المرة التي وصلت إليها الصحفية ان تسول الأطفال تدريب علي الإجرام في المستقبل. لقد ازداد التسول بعد أحداث 25 يناير خاصة بالمترو وتطورت صورة ووصلت مافيا "الشحاتة" إلي الفيس بوك وكل وسائلهم لنيل عطف الناس لا تخرج عن ترديد "حسنة قليلة تمنع بلاوي كتيرة" و"ساعد العاجز الفقير" و"يعطيك ما يحرمك يا مؤمن".. بالإضافة إلي توزيع أوراق علي الركاب طلبا للمساعدة والسير بملابس ممزقة وعرض علب اللبان والنعناع ومناديل الورق وتقديم أوراق لعمليات جراحية وروشتات أمراض مستعصية لإبعاد شبهة التسول. ولم يكن غريباً عندما تم القبض علي المتسول المليونير الذي يمتلك عمارتين 3.5 مليون جنيه بأحد البنوك. وتؤكد دراسات المركز القومي للبحوث ان التسول أصبح مهنة يحترفها الكثيرون للحصول علي الأموال بلا جهد حتي ان المتسول بالمناديل في المترو يحصد 200 جنيه في اليوم وهناك من يستأجر الأطفال الصغار للتسول بهم مقابل 50 جنيها يوميا. وتشير الأبحاث إلي أن النساء المتسولات أكثر قدرة علي جذب القلوب خاصة إذا كن يحملن طفلا صغيرا والذي قد يكون مخطوفا من أهله ومخدراً حتي يظل نائما ومسيطرا عليه. الغريب في كواليس هذه المهنة دخول شباب مفتولي العضلات ويرتدون ملابس وأحذية "مودرن" ويقفون أمام الأندية والمساجد والمستشفيات ومدعين ان أمهم أو أباهم أو ابنهم في العناية المركزة لإجراء عملية خطيرة والمطلوب دفع 10 آلاف جنيه فوراً. الاحصائيات الرسمية تبين ان ببلدنا مليونين من المتسولين ويزدادون في الأعياد والمناسبات الدينية ومواسم الحصاد في الأرياف. في النهاية علينا الحذر من انتشار هذه الظاهرة التي باتت تهدد مستقبلنا وعلي رجال الشرطة القضاء علي هذا الخطر بالتعاون مع الجمعيات الخيرية بتأهيل وتدريب المتسولين وتغليظ العقوبات عند عودتهم مرة أخري إلي ممارسة هذه المهنة. وصدق رسول الله يقول: "لأن يحتطب أحدكم حزمة علي ظهره خير له من أن يسأل أحداً فيعطيه أو يمنعه".