التنقل في الحياة من دولة إلي دولة ومن مكان إلي مكان من الحقوق الفطرية للإنسان. وهو أيسر من الإقامة أو الاستيطان. لأنه عبور مؤقت يعود بعده إلي محل إقامته. كالسفر للسياحة أو للتسوق. وكل مكان خاص بفرد أو أسرة. أو تخصص لقوم أو أمة لا يجوز اقتحامه. ولو لمجرد العبور إلا بإذن من أهله أو أوليائه. لحرمة الخصوصية أو التخصيص التي يدل عليها قوله تعالي: "يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتي تستأنسوا وتسلموا علي أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون" "النور:27". أما المحلات العامة التي رصدت نفسها لاستقبال الزبائن. كالمحلات التجارية. وفي حكمها الدول المفتوحة. التي لا تشترط لدخولها تأشيرة إذن بالدخول. فلا يشترط الاستئذان للتنقل فيها. إذ لا يوجد في هذا التنقل اعتداء علي حق الخصوصية أو حق التخصيص. مع قوله تعالي: "ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم والله يعلم ما تبدون وما تكتمون" "النور:29". ومعني "غير مسكونة" أي غير مخصصة لسكن فرد أو أسرة. أو غير مخصصة لإقامة قوم أو أمة. ومعني "فيها متاع لكم" أي فيها مصلحة تعود عليكم. والشريعة الإسلامية تحتضن غير المسلمين وتتلقاهم بالرحمة. لأنها جاءت وفقا لضوابط عادلة. ومن باب أولي فإن الشريعة الإسلامية تمنح غير المسلمين الإذن بالتنقل والمرور في بلاد المسلمين حتي ولو كانت إقامتهم واستيطانهم في بلاد غير المسلمين. طالما أمنا جانبهم. ووفقا للقواعد المنظمة في ذلك. ليكون تواجدهم في بلاد المسلمين. ولو بصفة مؤقته. عونا لهم علي معرفة الإسلام وسعته. فيدخلون في دين الله أفواجا. وعلي المسلمين أن يستثمروا سياحة غير المسلمين أو تجارتهم في بلاد المسلمين لصالح رسالتهم الشرعية. قال تعالي: "وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتي يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون "التوبة:6". قال تعالي: "فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا" "النساء:90". قال الحنفية والمالكية في القول الثاني: يجوز لغير المسلم من أهل الذمة أو العهد أن يدخل مكةالمكرمة لغرض مؤقت. ولا يتوقف جواز دخوله علي إذن مسلم. ولو كان المسجد الحرام. لأن النهي في الآية الكريمة خاص بمشركي العرب الممنوعين. لعدم وجود ذمة لهم. وكان لا يقبل منهم إلا الإسلام أو الخروج من جزيرة العرب. كما أخرجوا الرسول. صلي الله عليه وسلم. ومن آمن معه من مكة إلي المدينة. أو أن يكون المراد من النهي منع عموم المشركين من دخول مكة للحج فقط. لأن تكملة الآية تدل علي ذلك "وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم" "التوبة:28". فإن المسلمين كانوا في حاجة إلي تجارتهم في مواسم الحج. فلما ورد النهي عن دخول المشركين المسجد الحرام في موسم الحج. ليخلص النسك لله انزعج المسلمون علي تجارتهم التي كانت مرتبطة بتجارة غير المسلمين. فبشرهم الله تعالي بأنه سوف يغنيهم من فضله.