من الأحاديث المشهورة بين العامة والخاصة قوله صلي الله عليه وسلم رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش وهو حديث يتناغم ويتكامل مع حديث آخر وهو قوله صلي الله عليه وسلم من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه. والحديث الأول لا يعني ان المسلم يحرم من الثواب فقط مع جوعه وعطشه ولكن يعني مما يعني انه لم ينل من بركة الصيام واثره في تهذيب النفس والرقي الخلقي والسمو عن الصغائر واجتناب الذلات فلا يقول إلا صدقا. ولا يغتاب ولا ينم أي أنه الصيام يغير صاحبه لذلك كان الحديث الثاني الذي يحذرنا من عدم الافادة بالصيام أو التخلق باخلاق الصيام التزاما بالقياس علي ما جاء في الأثر ان لم تخشع فتخشع أي ان بداية التطبع بالخلق القويم أن يدرب الإنسان نفسه علي ذلك وكما قالوا ان لم تبك فتباكي لأن التباكي من شأنه ان يصل بصاحبه إلي البكاء والتخشع يصل يصاحبه إلي الخشوع الحقيقي. اقول قولي هذا بمناسبة الحالة المنفلتة من التنابذ بالألقاب والسباب وهجوم البعض علي البعض وكأننا لسنا في شهر الصيام ولأن الحرب أولها كلام كما يقولون فقد كان الكلام هو أكثر من حذرنا الإسلام من الوقوع فيه فقالوا المرء باصغربه قلبه ولسانه وقالوا مقتل الرجل بين فكيه فالكلام باب الشر واللجاج لذا كان أمر الله سبحانه وتعالي للسيدة مريم والذي جاء في سياق النصح بالقرآن ان تقول لأهلها اني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم انسيا فالصيام عن الكلام قطع للجدل واللجاج وحماية من السقوط في الآثام واتصور ان هذا هو سر الصوم عن الكلام الذي كان موجودا في الأمم السابقة فعندما دعا سيدنا زكريا ربه بأن يجعل له آية فأمره ألا يكلم الناس ثلاث ليال "قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا". أما رسولنا الكريم فقد دعانا إلي الصيام الكلامي هذا طوال السنة عن اللغو فقال "أمسك عليك لسانك" سواء صدقا أو كذبا أي ان الاقلال من الكلام من صحة الإيمان وجاء في الاثر كفي بالمرء اثما ان يحدث بكل ما سمع وقال صلي الله عليه وسلم أو يكب الله الناس علي مناخيرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم أما في رمضان فقد كانت له ميزته وخصوصيته فكان قوله صلي الله عليه وسلم "فإن شاتمه أحد أو سابه فليقل اني امرؤ صائم" وهذه هي العظمة والسمو والعلو الروحي الذي يتميز به الصائم لربه. فما بالنا إذا شتمنا رددنا بأفذع منها وإذا سببنا كلنا للآخرين مبتكرات ومخترعات من السباب فالشارع لا يكف عن هذا الذي نعيشه من انفلات أخلاقي مثلما كان قبل رمضان.. فمتي نعيش نفحات رمضان وبركاته. تجليات زعم الجميع بأنهم ملكوا الحقيقية دون مجموع البشر وهم الذين اختارهم رب السماء لكي يجنبهم سقر فمن الذي خسر الرهان وعاد محروم الثمر