*** الكمال لله وحده.. فالإنسان هو الإنسان في كل وأي زمان ومكان.. الجميع بشر لهم ميولهم واعتباراتهم الشخصية المحضة.. يحبون ويكرهون ويفضلون أو لا يستريحون لهذا أو ذاك من البشر أو الخيارت.. لكن الفرق هنا شاسع بين عالم "السبنسة".. والعالم المتقدم "البريمو" أنهم في الأخير.. يدركون جيداً.. أن الإنسان بشر له نقاط ضعفه وأهواؤه.. وهي غالباً ما تتعارض مع المعايير الموضوعية العلمية.. فضلاً وهذا هو الأهم.. أنها غالباً ما تتقاطع مع المصلحة العامة والصالح العام.. وبالتالي فهم في الدول "السوبر".. يسعون قدر الإمكان لمحاصرة هذه الميول الشخصية.. وتقليصها إلي أقصي حد ممكن علي أضعف الإيمان.. ولا أقول استبعادها تماماً.. فهناك فرق بين الإنسان بمشاعره.. وبين الإنسان "الآلي أو الكمبيوتر".. المهم أنهم يسعون في العالم الأول لمحاصرة هذه الأهواء من خلال قوانين وآليات تشريعية ورقابية وتنفيذية صارمة رادعة تطبق بالفعل.. وليست حبراً علي ورق وعلي صفحات كتب القانون واللوائح.. وما أكثرها عندنا والعدد في الليمون كما يقولون.. أيضاً لابد من التنويه إلي دور الأسرة والمدرسة والإعلام بكافة صوره في ترسيخ ثقافة الفصل.. بين ما هو شخصي ذو صلة بطبائع البشر وطباعهم.. وبين ما هو موضوعي علمي وحتمي يفرضه الصالح العام.. لا مفر من منح المديرين وشاغلي المناصب القيادية صلاحيات وسلطات تقديرية للثواب والعقاب.. وتقويم تقارير الأداء بالنسبة للمرءوسين والموظفين بكافة مستوياتهم ودرجاتهم.. بحيث لا يحصل علي الحوافز والمكافآت المادية والمعنوية إلا من تشهد التقارير بجدارته وكفاءته.. لا كما يحدث ولا يحدث إلا عندنا.. *** والمشكلة هنا ليست مشكلة قوانين ولوائح للإصلاح أو تحقيق الانضباط الإداري.. لكنها مشكلة الصلاحيات التقديرية "الهلامية" المفتوحة عندنا.. بلا حدود أو محددات كما أشرنا إلي ذلك في مقال الأسبوع الماضي.. ولا يعني ذلك الاستعانة بمديرين أو قيادات مستوردة أو أجنبية.. علي غرار الاستعانة بحكام أجانب في مباريات الكرة الحساسة.. كما أنه من العبث أن يكون هناك رقيب أو حامل راية.. لمراقبة أو تقويم كل مرءوس علي حدة.. إن مشكلة الصلاحيات التقديرية هي أم المشاكل الإدارية عندنا.. فهي أمانة ومسئولية جسيمة.. تستهدف تحقيق العدالة وتكافؤ الفرص قدر الإمكان وتطوير الأداء الإنتاجي والخدمي.. ولكنها في الغالب ما تستخدم وتطبق لتحقيق العكس تماماً.. والصور عديدة ومتعددة للثواب والعقاب لأسباب واعتبارات شخصية.. المهم يبقي السؤال الذي يفرض نفسه وهو عن كيفية كبح جماح مثل هذه الصلاحيات والسلطات التقديرية.. وفي هذا الإطار هناك أكثر من آلية مقترحة أولها تعظيم دور ومهام وسلطات الشئون القانونية بكل منشأة أو مصلحة حكومية.. علي أن تكون غير تابعة للمنشأة أو المصلحة.. بمعني أن يكون قسم الشئون القانونية مستقلاً وتابعاً مثلاً للنيابة أو القضاء الإداري.. وأن تصبح هذه الأقسام في متناول الرؤساء والمرءوسين في آن واحد.. بدلاً من وضعها الراهن كآلية عقاب وفرض جزاءات في أيدي القيادات والمديرين فقط.. وإذا كان هناك من يري صعوبة تطبيق هذا الاقتراح.. فإنه لابد من استحداث آلية عملية قابلة للتنفيذ للفصل الحاسم السريع في قضايا التظلم أو الطعن بسبب عقوبات تعرض لها موظفون أو مرءوسون.. وكذلك للنظر وحسم أي مخالفات يتم نشرها والكشف عنها نتيجة إساءة استخدام الصلاحيات والسلطات التقديرية للمديرين أو القيادات علي كافة الأصعدة.