* هل يحتاج المواطن المصري الآن إلي جرعة من الترفيه بعد عامان من الصراع السياسي ومحاولات ضرب كل الأهداف التي قامت ثورة 25 يناير من أجلها "حرية- عدالة- كرامة ومساواة".. وهل التنافس الذي يعيشه المشاهد من خلال القنوات الأرضية الفضائية دافع له للمزيد من الانشغال بالهم السياسي. أم محاولة الهروب والبحث عن الترفيه؟.. وأي نوع من الترفيه يبحث عنه الآن.. أسئلة قد تكون الإجابة عليها هي هذه القناة الفضائية الجديدة التي أطلقتها شبكة mbc الفضائية لمصر وأسمتها "مصرية mbc" مساء الخميس الماضي لتكون آخر الشبكات الفضائية العربية التي تخصص قناة توجه للمصريين ولما يحدث في مصر بصفة عامة. ولكن بينما جاءت "الجزيرة مباشر مصر" مخصصة للشأن السياسي منذ اطلاقها بعد الثورة مباشرة. بينما جمعت روتانا مصرية" بين الفن والسياسة من خلال برنامج "ناس بووك" لهالة سرحان والذي توقف منذ أسابيع. فإن "مصرية mbc" توجهت مباشرة ناحية الترفيه. وعلي أعلي مستوي. بداية بالمسلسلات ونهاية بالبرامج. وبينهما البرومهات اللافتة مثل تلك الفتاة علي المرجيحة تتفرج علي وسط البلد ميدان سليمان باشا. أو ذلك الفلاح ذي الصحة الجيدة وملابس العمدة وابتسامة مستريحة يقف علي الأرض الخضراء وحوله جبال الألب أو تلك المشاهد للقاهرة العامرة فوق الكباري والشوارع. وأيضا مقدمات البرامج التي تعبر عن حس فني لصناعها كبرنامج هاني رمزي الذي يستوحي الفيلم الأمريكي "غناء تحت المطر" لجين كيلي وبرنامج رياضي يستخدم الاعلان عنه عرض حي وجرافيكي. وفرقة موسيقية. نحن أمام قناة تدرك معني الاحتراف في تقديم فنون الترفيه. وشبكة سعت منذ زمن لإكساب كل قواتها طابعا مميزا. وهو ما نراه مثلاً في قنواتها الأولي. والثالثة والرابعة "المخصصة للبرامج والدراما الأمريكية".. وهنا مع قناتها المصرية يعني الترفيه المقدم للمشاهد المصري برامج عالمية بنسخة عربية مثل برنامج "الأصوات" الذي افتتحت به القناة ولمدة ثلاث ساعات قدم فيها كل من كاظم الساهر وصابر الربيعي وشيرين عبدالوهاب وعاصي الحلاني المواهب التي دربها كل منها.. امكانيات البرنامج المادية والفنية تفوق البرامج السابقة عليه بما فيها ما قدمته نفس الشبكة من قبل وآخرهم برنامج "محبوب العرب". وغير برنامج الغناء هذا الذي جمع القديم بالجديد. والعربي بالأجنبي في سلة واحدة. كان "النجوم" هدفا دائما لبرامج الترفيه "وهو ما نراه في رمضان كل عام" لكننا هنا أمامهم في غير رمضان. حيث يقدم هاني رمزي برنامجه الكوميدي أو الذي يعمد علي وجوده كنجم سينمائي متخصص في هذا اللون. وهي مخاطرة حقيقية أن يعتمد البرنامج أولا علي "كوميدية النجم" لأنها طاقة قد تستنفذ سريعا بعد استضافة كل نجوم الكوميديا الآخرين. لكن المغامرة ضرورية هنا لأن شاشاتنا العربية فقيرة في هذا النوع من البرامج التي لا نذكر منها إلا برنامجين. الأول لأشرف عبدالباقي "دارك" والثاني لأحمد آدم "بني آدم شو" واللذان عرضا علي "الحياة" ونجحا. وإن استمر برنامج أشرف عبدالباقي مدة أطول. ربما لأنه لم يكن وحده. وهناك أيضاً برنامج أسبق لسمير غانم مع قناة اختفت الآن هي OTV وكان أسلوبه يفجر ضحكات حقيقية. الآن جاء الدور علي هاني رمزي ليقوم بهذه المهمة الضرورية والصعبة. فهل يتيح له الاعداد الجيد هذه الفرصة؟. ومن النجوم للنجوم. حيث تقدم "هالة صدقي" برنامجا نسائيا بعنوان "نواعم وبس" مع ثلاثة من الوجوه النسائية ليصبح البرنامج قريب الشبه ببرنامج mbc الأولي "نواعم وبس" سواء في عدد مقدماته أو الموضوعات التي تهم المرأة والرجل. كما أعلنت هالة في الحلقة الأولي. والحقيقة انني لا أفهم لماذا تقلد القناة المصرية شقيقتها السعودية في برنامج تقدمه أربعة نساء. والاسم يكاد يكون هو. ولماذا تنتشر هذه الموضة في البرامج التي تقدمها المرأة عن المرأة. إذا ضممنا إليها برنامجاً ثالثاً هو "الستات ميعرفوش يكدبوا" علي قناة CBC. ولماذا لا يشارك الرجال في تقديمها إذا كانت موجهة للأسرة كما تقول كل هذه البرامج.. ثم هل يعني هذا التوجه لديها "انها موجهة للنساء النواعم" بدون أن تتعرض لكل أنواع النساء؟ لقد استضاف البرامج في حلقته الأولي المخرجة روجينا بسالي التي قدمت فيلما عن التحرش. ونانسي عمر المتحدثة باسم حركة "بنات مصر خط أحمر" وثالثة قدمت فيديو ضد التحرش اسمها إيفون فؤاد ولكن الحوار كان دون المستوي. وجاء حوار النواعم مع إلهام شاهين أفضل كثيرا وهو ما يعيدنا لقضية "الاعداد" في قناة جديدة قادرة علي جذب الاهتمام بما تقدمه من جرعات ترفيه قوية بلا ابتذال. وشكل فني جذاب. وأيضا اختيارات هامة للأعمال الدرامية بداية من مسلسل "عمر" عن قصة الخليفة عمر بن الخطاب والذي أثار ضجة كبري في عرضه الأول علي mbc الأولي في رمضان. ثم مسلسل "فاطمة" أحد الأعمال الدرامية التركية المهمة. وأخيرا "المنتقم" المسلسل الجديد الذي كتبه فريق عمل برئاسة هشام هلال مؤلف "طرف ثالث". وأشرف علي إخراجه حاتم علي وأنتجته نفس الشركة التي أنتجت "عمر". لكنه هنا مسلسل معاصر. تدور أحداثه في مصر وينطق أبطاله باللهجة المصرية وأظنه ممتد الحلقات مثل الأعمال المدبلجة وهو ما يعني ان القناة الجديدة تضعه علي محك التجربة واختبار قدرة المشاهد المصري علي متابعة عمل من مائة حلقة أو أكثر.. وبعد هذا كله ربما يكون البرنامج الوحيد ذا الصلة بما يحدث في الواقع المصري اليوم علي هذه القناة هو "جملة مفيدة" الذي تقدمه مني الشاذلي يومياً في المساء. والذي برغم الحرص الاعلاني علي انه مختلف عما يعرض علي القنوات الأخري. فإن الحلقتين الأولي والثانية منه لا تبشران بهذا. ولا تستفيدان جيدا من وجود "جمهور الاستديو" الذي بدا واضحا مدي العناية باختياره. بل ان كل البرامج السابقة تواجد فيها الجمهور.. لكننا أمام معضلة أن هذا الجمهور لم يكن أبدا ضم العناصر الأساسية الفاعلة في البرامج المصرية والعربية إلا باستثناءات نادرة مثل برنامج "حالة حوار" الذي كان يقدمه عمرو عبدالسميع علي القناة الأولي المصرية قبل الثورة. وكان جمهوره من طلبة الجامعات. كذلك بعض حلقات قدمه حافظ الميرازي في "بتوقيت القاهرة" علي دريم.. ولهذا علي برنامج "جملة مفيدة" أن يضع الجمهور الحاضر ضمن "الحسبة" أو "السيناريو" وليس خارجها. وبهذا -مبدئيا- يتميز البرنامج عن غيره من البرامج المسائية حين يكتشف المشاهد انه موجود ومشارك عبر هؤلاء ليس فقط متفرجا.. أخيراً فإن القناة الجديدة وهي تبدأ بهذه القوة فإنها تراهن علي أهمية الترفيه وسط أغلبية من القنوات التي تطرح قضايا الواقع السياسي والاجتماعي المتزايدة والتي تتعلق بها مصائر ملايين المصريين اليوم وغدا.. وربما لهذا الأمر تحديدا.. أصبح الترفيه ضروريا في هذا الزمن الصعب. كما أصبح الاختيار والتدقيق فيما يقدم من ترفيه أكثر ضرورة. فهناك من يتعمد إساءة الفهم لما يعنيه الترفيه. لكننا هنا أمام فهم واضح.. ورغبة في كسب شعب يمثل أكبر كتلة مشاهدة في العالم العربي.