القضاء فى مصر من أخطر وأهم آليات الثورة المضادة، كان ولا يزال كذلك وسيظل، فقد وقف منذ الوهلة الأولى مع الثورة المضادة والدولة العميقة الفاسدة التى كان من ضمن آلياتها ذراعا يبطش بها النظام الفاسد السابق بما يقف فى وجه فساده وعربدته فى مصر، وكان أداة تنكيل بخصوم هذا النظام الفاسد، كما أنه شرعن للباطل ووقف يحميه ويصد عنه، وذلك مقابل عرض زائل ودنيا غيره فقد باعوا دنياهم وآخرتهم بدنيا غيرهم، حيث كان المقابل زيادة فى المرتبات وتعيين الفاشلين من أبناء أعضاء الهيئات القضائية فى القضاء، فضلا عن إلقاء لقيمات لهم من المال الحرام الذين فضّلوه على العزة والكرامة، فأصبحوا عبيدا للعبيد. واستمرارا لهذا الدور الخطير جاءت كل أحكام القضاء فى مصر سواء الدستورى بحل مجلس الشعب بحكم منعدم من الناحية القانونية، فضلا عن مهرجان البراءة للجميع فى كل قضايا قتل الثوار أمام كافة محاكم الجنايات فى مصر، أما القضاء الإدارى فحدث ولا حرج، فهى أحكام صادمة للمنطق قبل القانون وتعد من قبيل الأخطاء الجسيمة التى تستوجب الإحالة إلى لجنة الصلاحية تمهيدا للفصل، الجديد فى دور القضاء فى مصر هو محكمة الجنح التى باتت تحكم بأحكام لا تحكم بها محاكم الجنايات، وبأحكام مخالفة لأبجديات القانون التى تدرس للطلاب بكليات الحقوق خاصة فى الفرقتين الأولى والثانية، لذلك نطلق عليها محكمة الجنح السياسية. وفى هذا المقال سوف نبين الانتهاكات الخطيرة للقانون فى حكم طلبة الأزهر القاضى ب(17) سنة سجنا على طالب من (12) طالبا والصادر من محكمة جنح الجمالية بالقاهرة، وحكم محكمة جنح سيدى بشر بالإسكندرية على بنات الإسكندرية كل واحدة منهن ب(11) سنة سجنا. وفى المقابل محكمة جنح مستأنف العجوزة تبرئ سلمى حمدين صباحى من تهمة النصب، وتفرج عن الممثل أحمد عزمى بكفالة لحيازته مواد مخدرة، وتفرج عن الممثلة إنتصار التى ضبطت فى حالة سكر بيّن فى وقت حظر التجوال ومعها كويتيون، وتفرج بكفالة عن الممثلة دينا الشربينى التى ضبطت تتعاطى مخدرات فى شقة بكفالة، كما قضت محكمة جنايات القاهرة ببراءة (3) ضباط أمن دولة سابقين من تهمة تعذيب (5) مواطنين، كما أن محكمة إسرائيلية حكمت على (7) شباب فلسطينيين بالسجن لمدة سنة بتهمة قتل جندى صهيونى، لكن القضاء فى مصر حكم على فتيات يحملن شارة رابعة بالسجن (11) عاما!! أما أنصار الشرعية فالحبس الاحتياطى لهم واجب ولازم دون حتى توافر أى اشتراطات واردة فى قانون الإجراءات الجنائية بالمادة (143) التى عدلت بالقانون رقم 145 لسنة 2006م خاصة بالحبس الاحتياطى، الذى تعدلت مدده بقرار بقانون رقم (83/ لسنة 2013م) الذى نص على (يستبدل بنص الفقرة الأخيرة من المادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية بالنص الآتى": ومع ذلك فلمحكمة النقض ولمحكمة الإحالة إذا كان الحكم صادرا بالإعدام أو بالسجن المؤبد أن تأمر بحبس المتهم احتياطيا لمدة 45 يوما قابلة للتجديد دون التقيد بالمدد المنصوص عليها فى الفقرة السابقة). فى مخالفة صارخة للدستور وضمانات العدالة حيث انقلب الحبس الاحتياطى من تدبير احترازى إلى عقوبة للتشفى ومعاقبة الخصوم بمجرد الخلاف فى الرأى الذى لا يعد جريمة. هذان الحكمان وقعا فى خطأ مهنى جسيم يستوجب الإحالة إلى لجنة صلاحية تميهدا للفصل، لمخالفتهما القواعد العامة فى النظرية العامة للأحكام، والتى تستوجب الحكم بعقوبة الجريمة الأشد حال وجود تعدد فى الجرائم من ذات فصيلة الجريمة ذات العقوبة الأشد، كما أن كل جريمة تتكون من عدة أفعال تشكل الركن المادى للجريمة ولا يشكل كل فعل منها جريمة منفردة ومستقلة بذاتها بل هى جزء من الركن المادى لجريمة واحدة فقط، وهذه بديهية فى القانون واستقر عليها قضاء النقض قبل أن يلوث القضاء ويفسد ويؤكد ذلك حكم محكمة النقض الذى نص على (يشترط لقيام جريمة التجمهر فى حق المتهم اتجاه غرض المتجمهرين الذين يزيد عددهم على خمسة أشخاص إلى مقارفة الجرائم التى وقعت تنفيذا لهذا الغرض، وأن تكون نية الاعتداء قد جمعتهم وظلت تصاحبهم حتى نفذوا غرضهم المذكور، وأن تكون الجرائم التى ارتكبت قد وقعت نتيجة نشاط إجرامى من طبيعة واحدة، ولم تكن جرائم استقل بها أحد المتجمهرين لحسابه دون أن يؤدى إليها السير الطبيعى للأمور، وقد وقعت جميعها حال التجمهر). هذا الكلام لا ينطبق على طلبة الأزهر الذى حكم على كل طالب منهم ب(17) سنة الحد الأقصى وقالت المحكمة فى حيثيات حكمها (إن هيئة المحكمة اطمأنت إلى أدلة ثبوت الاتهام الموجه إلى المتهمين، حيث إن المتهمين قاموا بإحداث الشغب وإثارة الفوضى أمام مشيخة الأزهر، محاولين إحداث حالة من الانفلات الأمنى والقيام بأعمال تخريبية ضد السلم العام. وأضافت المحكمة أن من الواجب على القضاء الوقوف ضد أى محاولات تهدف إلى أحداث العنف والفوضى تنفيذا لأغراض تهدف إلى تعطيل القانون ومؤسسات الدولة عن القيام بأعمالها فقد حكمت المحكمة حضوريا بمعاقبة المتهمين بالحبس لمدة 3 سنوات و30 ألف جنيه غرامة لكل منهم فى تهمة التجمهر، وفى تهمة البلطجة حبس 3 سنوات وغرامة 30 ألف جنيه، وتهمة التعدى على موظفين عموميين بالحبس 3 سنوات وغرامة ألف جنيه لكل منهم، أما بالنسبة لتهمة إتلاف الممتلكات العامة فحبس 3 سنوات وغرامة ألف جنيه، وتهمة إتلاف الممتلكات الخاصة سنتين وغرامة ألف جنيه، وتهمة حيازة أسلحة وذخائر 3 سنوات وغرامة ألف جنيه). إن التكييف القانونى لما حدث من طلاب الأزهر هو استخدام حقهم الدستورى فى التظاهر السلمى وحقهم فى التعبير عن رأيهم فى الأمور العامة فى مصر، وحق التظاهر السلمى منصوص عليه فى كافة اتفاقيات وإعلانات ومواثيق حقوق الإنسان العالمية والإقليمية، فليس ما حدث تجمهر بل تظاهر لاسترداد حق اغتصب من الانقلابيين، كما أنه إبداء لرأيهم فى الأمور العامة وليس بلطجة كما أن هؤلاء الطلبة كل ما فعلوه أنهم تظاهروا أمام مشيخة الأزهر، لم يكن لديهم أو معهم أية أسلحة والدليل على ذلك أن النيابة لم تحرز الأسلحة التى ادعت المحكمة أنها كانت معهم فالقضية بلا أحراز، فمن أين أتت المحكمة بذلك، إنه من وقع خيال المحكمة المريض، كما أن جرائم إحراز الأسلحة والذخائر وما ارتبط بها من جرائم التجمهر والقتل تختص بنظرها محاكم أمن الدولة العليا أو محكمة الجنايات، لذلك فإن المحكمة تكون غير مختصة، كما أن تهمة البلطجة لا تليق بطلاب الأزهر أما البلطجية فتعرفهم المحكمة والنيابة والشرطة. كما أن المحكمة حكمت على الطلاب بتهمة إتلاف ممتلكات عامة وإتلاف ممتلكات خاصة، علما بأن أوراق القضية ليس فيها أى بيان أو ذكر للممتلكات العامة أو الخاصة التى أتلفها الطلاب مما يجعل الحكم عليهم بهذه التهمة منعدما، حيث لا أساس له من الصحة أو الواقع، كما أنه لم تحقق النيابة مع الطلبة فى كل التهم التى حكم عليهم بها، وتلك ضمانة كبيرة من ضمانات الدفاع أن يعلم المتهم التهم الموجهة إليه على سبيل التفصيل والحصر. كما أن المحكمة لم تستكمل هذا النقص فى التحقيقات، بل صدر الحكم بسرعة لم نعهدها على القضاء المصرى وخاصة فى الجنح، كما أنه ليس من المقبول أو المعقول قانونا أن تحكم محكمة جنح بمدة (17) سنة على المتهم لأن الجنحة أقصى عقوبة لها ثلاث سنوات، ولو أن الأمر يتطلب هذه المدة الطويلة كان ينبغى على المحكمة أن تحليها إلى محكمة الجنايات. كما أن محكمة جنح بالإسكندرية حكمت على عدد من الطالبات بالإسكندرية بالسجن (11) سنة بتهم مختلقة لا توجد فى أى قانون عقوبات فى العالم، كل جريمتهم أنهم استخدموا حقهم فى التظاهر السلمى فالأوراق فى الجنحة ليس فيها أى من التهم التى حكم عليها بها كما أن النيابة العامة لم توجههم بهذه التهم ولا المحكمة أيضا، فكما حدث فى محكمة جنح الجمالية حدث الشىء نفسه مع محكمة جنح سيدى بشر بالإسكندرية نفس الأخطاء المهنية الجسيمة فى أبجديات القانون، حتى عندما تم استئناف هذا الحكم تم تحديد جلسة فى شهر فبراير القادم زيادة فى التنكيل بالأبرياء من الشباب والفتيات. كما أنه بعد أن وقف القضاء فى مصر مع الانقلاب العسكرى الذى يعد طبقا للدستور والقانون والاتفاقيات والمعاهدات الدولية، سطوا مسلحا على إرادة الشعب، بما أن الأحكام فى مصر تصدر باسم الشعب لذلك فالشعب المصرى برىء من هذه الأحكام وهذه المظاهرات السلمية التى تملأ كافة محافظات مصر تعلن صراحة وبكل وضوح أن هذه الأحكام الجائرة السياسية لا تعبر عن هذا الشعب، وأن الشعب المصرى برىء منها لذلك فهى لم تصدر باسمه بل باسم الانقلابيين، نتيجة ذلك أنه لا ولاية للقضاء فى مصر على الشعب المصرى بعد أن وقف ضد هذا الشعب. فى النهاية ينبغى أن نقول القضاء فى مصر وليس القضاء المصرى لأنه لم يعد مصريا، كما أن محكمة الجنح يجب أن نطلق عليها محاكم الجنح السياسية بالأحكام التى تصدرها صادمة للقانون ومخالفة لأبجدياته، لذلك فهى منعدمة لا أثر قانونى يترتب عليها. ____________________________ الخبير القانونى والمحامى بالنقض والدستورية العليا