"العلمانية أصل الإرهاب والاستبداد الحديث"، كتاب صدر مؤخرا للكاتب ممدوح الشيخ، عضو اتحاد الكتاب، يصف ما يجرى حاليا فى مصر ويعرض جذور الإرهاب فى العالم. يؤكد الكاتب في تقدمة الكتاب أنه رغم أنه كان ممن وقعوا على استمارة "تمرد"، إلا أنه على يقين من أن هناك من يعمل بشكل منظم ليقع المستقبل في قبضة "روبسبير مصري" يسفك دماء كل المعارضين بدم بارد، ويحشد خلفه قطاعا من الشعب رافعا شعار "الأمن القومي"، وستنتهي هذه المغامرة - في حال وقعنا في فخها - بكارثة على الوطن وأمنه ومستقبله. السفاح الفرنسى روبسبير ويستعرض الكتاب فى سطوره الأولى شخصية السفاح الفرنسى روبسبير التى كانت مزيجاً غريباً من الريبة السياسية الحادة والعداء الشخصي لكل من يختلف معه، إضافة إلى اعتقاده بأنه لم ولن يُخطئ إطلاقاً، ويرى نفسه كمصدر للقانون، وبالرغم من أنه هو من نادى بإلغاء عقوبة الإعدام، إلا أنه ناقش بحماس تنفيذ حكم الإعدام بحق لويس السادس عشر قائلا "يجب على لويس أن يموت، لأن الأُمّة يجب أن تعيش". ويتحدث الفصل الأول عن فكرة "التبرير الأخلاقي للوصاية على الشعوب" و"الحق في القمع" بدعوى حماية "الدولة" أو "الأمن القومي" أو حمايتهما معاً، التى يذكرها العلمانيين العرب وحلفائهم من العسكر دائما فى خطابهم. ويستعرض الكاتب تحليلات وسائل الإعلام الأجنبية حول الانقلاب العسكرى فى مصر، إذ أوضح أنه بعد الإطاحة بالرئيس المنتخب "محمد مرسي" تزايدت مشاعر الغضب عند المصريين، وذلك بعد أن انقلب الليبراليون على الإسلاميين بعد اكتساحهم الانتخابات البرلمانية"، مضيفا أن جموع المصريين رفضوا فكرة اعتقال رئيس مصري منتخب بإرادة الشعب لإرضاء الليبراليين وخدمة مصالحهم، مما نتج عنه حالة من الانقسام بين مؤيد ومعارض، الأمر الذي أدى لزيادة حالة الاحتقان بالشارع المصري، موضحا أن اختلاف آراء المصريين نتج عنه صدام اجتماعي تحوَّل إلى صدام في الشوارع . ويقول "الشيخ" فى كتابه: "هناك تحوُّلٌ يدركه جيداً "ذئاب العلمانيين" وينكره دراويشهم، ومن يدركون حقيقة هذا التحول ويعرفون أبعاده جيداً، يقاتلون المعركة الأخيرة في العالم العربي بأمل منع هذا التحول من اجتياح الشرق الأوسط، ويرون أن الحل هو "شيطنة" الإسلاميين وأمريكا معاً، وهذا التحول هو ببساطة عودة الصلة بين الدين والسياسة". الدولة المركزية الوطنية ويتابع قائلا: "الدولة المركزية الوطنية نمط في التنظيم السياسي ينتهجه العلمانيون أول مهامه قتل الحس الأخلاقي عند المحكومين حتى لا يفكر واحد منهم، ولو لحظة واحدة، قبل أن يطيع أمر الدولة - أي أمر - حتى لو كان أمراً بارتكاب جريمة إطلاق النار بغرض القتل على متظاهرين أو معتصمين سلميين، وهذا ما نجح فيه العلمانيون بمعاونة وسائل الإعلام وحدث بالفعل فى مصر". هولوكوست العصر الحديث أما الفصلين الثانى والثالث فقد تناولا الحديث عن الثورة الفرنسية 1790حيث شهدت فرنسا أول هولوكوست في العصر الحديث عندما أباد جيش الثورة الفرنسية نحو ربع مليون من سكان فندييه (فاندي) بينهم 30 ألفاً أدينوا أمام "قضاء استثنائي". وفي هذه الحقبة المظلمة صيغت مفاهيم ما زالت تحكم العالم العربي مثل "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، و"أعداء الشعب". وأكد أن الثورة المصرية افتقرت إلى القائد الآمر، مما مكَّن تحالفاً من العلمانيين المتشددين وأصحاب المصالح وبقايا نظام مبارك من القيام بعمل منظم هدفه إنشاء دولة "أولجاركية" معادية للديموقراطية عداءً تاماً، وهي دولة خارجة من قلب استبداد العصور الوسطى، دولة تتقاسم السلطة فيها نخب عسكرية وبيروقراطية ومالية "تصادر" القسم الأكبر من الفضاء العام - بمعناه الشامل - باسم "الأمن القومي" متحالفة مع نخبة سياسية علمانية (يسارية وليبرالية) هشة ومعزولة، وهذا "التحالف الأولجاركي"، في النهاية، لن يترك للسلطات المنتخبة إلا "الفتات"!. العلمانية ومعاداة الديمقراطية واستعرض الكتاب مواقف العديد من العلمانيين المتشددين وبقايا نظام مبارك والحكومة الحالية المعادية للديمقراطية، فقد كشف موقع ويكيليكس عن وثيقة صدرت بعد تولى باراك أوباما رئاسة الولاياتالمتحدةالامريكية تعنى أن مبارك "علماني كلاسيكي" يكره التطرف الديني والتدخل في السياسة، ويعتبر الإخوان المسلمين التحدي الأسوأ ليس فقط لسلطته ولكن لرؤيته للمصالح المصرية. وقال إن بعض العلمانيين أعلنوا استعدادهم لمحاربة الديموقراطية، وحين سُئل أحدهم قبل ثورة 25 يناير عن الديموقراطية إذا جاءت بجماعة الإخوان المسلمين فقال "تولع الديموقراطية". وفي واحدة من الأدبيات النادرة التي تدعو إلى الإبادة كسبيل إلى التقدم، كتب أحمد المسلماني مقالا بعنوان "جريمة رائعة" فى مارس 2008 قائلا: "لا يقف المؤرخون طويلاً لدى واقعة عظيمة وجريمة جليلة قدمها محمد علي باشا إلى مصر، لا يقفون بما يليق أمام واحدة من أروع المذابح في التاريخ، وواحدة من أفضل المآسي الإنسانية والمآثر السياسية حيث قام بمذبحة القلعة الشهيرة، للإنهاء على المماليك في مصر". وقال المسلماني إنه واحد من الذين يحترمون ويقدرون هذه المذبحة الرائعة، بل شدد على أنه واحد ممن يرون أن بعض رؤى الإصلاح والتقدم لا تحتمل ترف الحوار والجدل والإقناع، كما أنها لا يمكنها أن تبقى طويلاً أسيرة حرب باردة بين الرأي والرأي الآخر. لافتا إلى أن في حالة "مذبحة القلعة" كانت مصر أمام خيارين واضحين، خيار التخلف الذي يحميه المماليك بالقول وبالسلاح، وخيار التقدم الذي أتى به محمد علي تعليمًا وتفكيرًا وجيشًا وإمبراطورية، ويرى أن قرار محمد علي القضاء على المماليك واحد من أعظم القرارات إن لم يكن أعظمها جميعًا. قناعات نظربة وأخلاقية ومن ردود الفعل التي تكشف عن وجود "قناعات نظرية وأخلاقية"، بمعنى أنه ليس مجرد فعل واقعي، فقد اعترف الدكتور حازم الببلاوي رئيس الوزراء بأن عملية فض اعتصامى ميدانى رابعة العدوية والنهضة ربما تشبه الأعمال الوحشية، لكنه أكد أن مثل هذه الأعمال اضطرارية واستثنائية ولا تمثل أسلوب حياة. وفقا لما كشفه مقطع فيديو لمقابلة للببلاوي مع شبكة "أيه بي سي" الأمريكية، وقال بأنه لا يشعر بأي تأنيب ضمير بسبب ما حدث ولن يتراجع. وفي رد فعل ملفت يشكل نموذجاً لثقافة التسامح مع سفك الدماء إلى حد التبرير، قال محمود بدر "المنسق العام لحركة تمرد" التي ساهمت في الإطاحة بالرئيس المصري محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين: "إن الضحايا الذين قتلوا بعد الإطاحة به ثمن ضروري لإنقاذ مصر من الجماعة"، ودافع عن سلوك الجيش في أعمال العنف التي تبعت عزله، وقال إنه لم ير خطأ فيما قام به الجيش. ونوه الكاتب إلى شواهد تؤكد سيطرة "هستريا التغيير" على العلمانيين، منها ما قاله الدكتور محمود العلايلي - عضو الهيئة العليا لحزب المصريين الأحرار -: إن "المواطن المصري في حاجة لدستور جديد بخلاف دستور 2012 المهين لأننا لا نتمنى أنه بعد ثورة يوليو التي خرج فيها الشعب لإسقاط النظام يلتصق بدستور2012. فالثورة دائماً تأتي بنظام جديد ودستور عام 2012 جزء من النظام القديم". وأضاف العلايلي أنه "حتى لو تم تعديل الدستور الحالي بنسبة 100% فسيكون اسمه دستور 2012 المعدل ما يعني أننا نستخدم دستوراً صنعه الإخوان". وأردف الشيخ فى كتابه قائلا: "النتيجة أننا نتعامل مع كيان – وفي النهاية إنسان - مصري "عميل"، ليس بمعنى أنه جاسوس داخلي أو خارجي - رغم الاتهامات المعتادة في هذا الاتجاه والتي تصيب قدراً مذهلاً من المصريين – لكنه متسول نحو الدولة، التي بدورها تتهم الإنسان المستقل فكرياً بأنه عميل، يساعد العدو الداخلي أو الخارجى، وعندما تقرر الدولة ذلك ينصاع خلفها الجموع". ثمن التقدم وأكد الكاتب معاداة العلمانيين للإسلام، مستدلا فى ذلك بما اعتبره كثير من العلمانيين المصريين - وبينهم حلمي النمنم - أن هوية مصر كانت أحد أكثر القضايا إثارة للجدل وأن هوية مصر يجب ألا تكون "إسلامية". وأعلنها صراحة إنه يرفض القول بأن الشعب المصري متدين بالفطرة مؤكداً أن مصر "علمانية بالفطرة". في هذا السياق كان صادماً جداً – على المستوى الأخلاقي أولاً – أن يقول النمنم إن علينا أن نكون صرحاء وأن هناك دماء أخرى سوف تُسفَك مضيفاً أن الحرية لها ثمن وأن الدولة الحديثة لها ثمن! واعتبر الكاتب أن كلام النمنم ترجمة مندفعة وخشنة لا تخلو من خفة لإشكالية من أعقد إشكاليات الفكر الحديث وهي ما يسميه الكتاب الغربيون "ثمن التقدم" أو "ثمن التحديث"، والعلمانية تعني - ضمن ما تعني - استحلال الدم. إعادة تعريف الديمقراطية!! وأوضح "الشيخ" أن بعض من يُحسَبون على التيار الليبرالي في مصر يتحدثون بصفاقة منقطعة النظير عن أن ما حدث في 30 يونيو سيؤدي إلى "إعادة تعريف الديموقراطية" في العالم كله، وهذا معناه أننا انتقلنا من مرحلة تفسير (أو تبرير) ما حدث في 30 يونيو بوصفه مساراً فرعياً يعكس خصوصية الحالة المصرية، إلى تحويل الاستثناء إلى قاعدة، أي أن الغرب هو من سيبدأ من الآن في الدفاع (وربما الاعتذار عن نقائص ديموقراطيته) بوصفها تعبيراً عن خصوصية حضارية!!.