رغم مرور عام على انطلاق “العملية العسكرية الشاملة” التي كان من المقرر أن تنتهي سريعًا بالقضاء على “الإرهابيين”، وتسليم سيناء “متوضئة” للمصريين؛ إلا أن ما حدث كان غير ذلك تماما؛ فما يزال أهالي شمال سيناء يعانون من فشل سلطات الانقلاب فى القضاء على “العناصر المسلحة”، مع استمرار تشريدهم، وهدم مساكنهم وحرق الكثير من مزارعهم، والأهم قتل العشرات من الأبرياء من أبناء سيناء دون ذنب بدعوى أنهم من “الإرهابيين”. 12 شهرا مرت، تنوعت الانتهاكات خلالها بين القتل والاعتقال والتعذيب وتدمير المنازل والقصف بالقنابل العنقودية المحرمة دوليًا، ونسف المنازل والمدارس بالديناميت، وقطع الكهرباء والماء والاتصالات. ويشير مراقبون إلى أن عجز ميليشيات الانقلاب عن القضاء على “الإرهاب”، جاء بسبب تكيف أفراد “داعش” على صد هجمات قوات الجيش خلال الأشهر الماضية، رغم تفويض المنقلب عبد الفتاح السيسى قيادات الجيش باستعمال “القوة الغاشمة”. سيناء 2018 وكانت قوات جيش العسكر قد أعلنت، في 9 فبراير الماضي، عن انطلاق عمليات “سيناء 2018″، التي تستهدف– عبر تدخل جوي وبحري وبري وشرطي– مواجهة عناصر مسلحة في شمال ووسط سيناء، بأمر من قائد الانقلاب العسكري، مما أدَّى إلى غلق سيناء تمامًا وفرض حصار خانق على أهلها. ومنذ عام كلّف “السيسي”، محمد فريد حجازي رئيس أركان القوات المسلحة، ووزير الداخلية السابق مجدي عبد الغفار، باستعادة الأمن والاستقرار في سيناء، واستخدام «القوة الغاشمة» لتحقيق ذلك. تكليف “السيسي” وقتها كان لبدء عملية عسكرية شاملة لتطهير وسط وشمال سيناء من البؤر الإرهابية والتكفيرية، والمشاركة في عملية التنمية التي تحدث على “أرض الفيروز”، على حد زعمه. خسائر فادحة ومنذ التاسع من فبراير 2018 وحتى الأيام الأخيرة من العملية، تعرّض الجيش لهجمات أسفرت عن مقتل عشرات الجنود والضباط، إضافة إلى أضرار كثيرة فى المنشآت والآليات. الهجمات لم تتوقف عند هذا الحد، بل وصل الأمر إلى قيام عناصر داعش باستخدام "تكتيكات" متعددة فى ضرب العديد من المناطق بشمال سيناء مثل القنص والاختطاف والقتل، برغم أن تنظيم الدولة تعرض لعمليات أفقدته العديد من الأفراد والأسلحة التي كان يستخدمها، بمعرفة قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي الذى تدخل لإنقاذ ماء وجه العسكر ضد هجمات داعش، باعتراف السيسي في حواره الأخير مع قناة "سي بي إس" الأمريكية. يأتي فشل العملية طوال عام كامل ليكشف عدم وجود استراتيجية واضحة لدى الجيش للقضاء على المسلحين في سيناء، إلى جانب إهمال “الحاضنة الشعبية” الممثلة فى دعم وتأييد الأهالى لتلك الضربات، بعد أن خانهم العسكر عقب اغتيال العديد من أبنائهم الأبرياء الرافضين لحكم العسكر بدلا من الإرهابيين. بالإضافة إلى المضايقات المتكررة من الجيش، وتهجير مئات الأسر منهم إلى مناطق غير مأهولة بالسكان، ورفض تعويضهم بشكل مناسب. جريمة نكراء وبعد أقل من أسبوع من بداية العملية العسكرية “سيناء 2018″؛ نشرت منظمة العفو الدولية بيانًا شددت فيه على أنّ “استخدام الجيش المصري للقنابل العنقودية يجب أن يتوقف فورا”، وذلك بعد نشر القوات المسلحة المصرية، شريط فيديو أظهر استخدامها القنابل العنقودية كجزء من عملياتها الأخيرة في شمال سيناء. وذكرت المنظمة، على موقعها الإلكتروني، أنّ “خبراءها قاموا بتحليل شريط فيديو تم نشره على حساب تويتر الرسمي للمتحدث باسم القوات المسلحة المصرية، في 9 فبراير الحالي”. وأظهر الفيديو أنّ “أفراد القوات الجوية العسكرية يقومون بتحميل طائرات مقاتلة مصرية بقنابل عنقودية”. بدورها؛ أكدت النائبة الإقليمية لمنظمة “العفو الدولية” في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، “نجية بونعيم”، في حديث صحفي، أنّ “القنابل العنقودية هي أسلحة عشوائية بطبيعتها، تسبّب معاناة لا يمكن تصورها لسنوات بعد استخدامها، وهي محظورة دوليا لهذا السبب”. وأضافت أنّ “تصويرها (القنابل العنقودية) في هذا الفيديو يوحي بأنّ القوات الجوية المصرية قد استخدمتها بالفعل أو تعتزم استخدامها، مما يدل على تجاهل صارخ لحياة الإنسان”. تهجير إجباري بينما أكدت منظمة “هيومن رايتس ووتش” أنه خلال عمليات التهجير، تم تشريد ما يقرب من 480 أسرة عامل من عمال محافظة شمال سيناء، وهذا بعد إزالة مصانع تعود ملكيتها إلى النائب “حسام الرفاعي” عضو البرلمان عن دائرة العريش، والمهندس محمد حسن درغام أحد رجال الأعمال في محافظة شمال سيناء؛ وذلك لوقوعها في محيط المنطقة العازلة في محيط مطار “العريش”. كما قامت عمليات الجيش وآلياته العسكرية بتدمير منازل المواطنين بمناطق وسط وجنوبسيناء، حيث تم تدمير أكثر من 200 منزل بالكامل في قرية “خريزة”، وأكثر من 100 منزل بقرية “رأس بدا”، أما في محافظة جنوبسيناء فقامت قوات الأمن بهدم منازل المواطنين بمنطقة “الرويسات” شرم الشيخ وعدة مناطق، بالمخالفة لقانون لتقنين الأوضاع. قتل وتعذيب وثق المرصد المصري للحقوق والحريات، جرائم قتل واعتقال وتعذيب وتهجير ارتكبتها سلطات الانقلاب العسكري بحق أهالي سيناء. وقال المرصد، في تقرير له: إن سلطات الانقلاب ارتكبت جرائم قتل واعتقال وتعذيب وتهجير بحق الأهالي تحت مسمى الحرب على الإرهاب، كما اتهم التقرير سلطات الانقلاب بارتكاب جرائم القتل خارج إطار القانون ل 1300 شخص، واعتقال 12 ألف شخص آخرين، وتهجير 4 آلاف أسرة، وتدمير أكثر من 2500 منزل بطول 1500 متر. وأدَّت هذه العملية حتى الآن إلى مقتل أكثر من 350 من “التكفيريين” – كما يسميهم الجيش المصري- وما يزيد على 30 عسكريا، بحسب بيانات الجيش وأرقامه. وانتقدت منظمات حقوقية دولية، أكثر من مرة، النتائج المترتبة على حياة المدنيين في شمالي سيناء جراء العملية الشاملة. حتى متى؟ 12 شهرًا من القسوة والقتل والقهر لأبناء شعب صامد ما زال يأمل فى إنهاء الحرب وعودة الأمن والأمان، بغض النظر عن كيفية ذلك والقضاء على "داعش" برغم أنه يبدو صعبًا، آملين أن يكون عام 2019 هو عام الحرية وإيقاف نزيف الدم المتواصل. والسؤال: هل ينجح السيسي في وقف فشله المتواصل خاصة فى المواقف الحيوية والمصيرية التى تعرضت البلاد لها بسبب أفكاره الغريبة وغير الجادة؟ أم سيبقى ملف سيناء ملتهبًا عامًا جديدًا؟.