رأس المال الاجتماعى هو القيم والبنى الاجتماعية والسلوكيات التى تحقق مصلحة عامة. ومن هذه القيم العدالة الاجتماعية والحرية والكرامة وضمان لقمة العيش، وهى نفس أهداف ثورة 25 يناير. ومن القيم الحاضنة له الديمقراطية والمساواة والثقة والتسامح والأمانة والسمعة الحسنة والصدق والتضحية من أجل الجماعة والعطاء والأخوة والمواطنة ومتانة النسيج الاجتماعى وتنوعه والتعددية السياسية وإستقلال القضاء وغيرها. ويوجد رأس المال الاجتماعى فى الأسرة والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدنى والجماعات غير الرسمية والصداقات والجماعة الأم وهى المجتمع ككل، بشرط أن تتبنى قيماً حميدة وأن تعمل لمصلحة أفراد الجماعة. فالجماعة المتماسكة التى يسودها التعاضد والثقة والتكافل والولاء والحرية، تكون أقوى وأكثر إنتاجية من غيرها. وينطبق نفس المنطق على الأسر المتماسكة والدول المستقرة. ويساهم رأس المال الاجتماعى فى إعادة توزيع الثروة من خلال الزكاة والصدقات والعمل الخيرى بما يحقق التكافل والعدالة الاجتماعية. وفى المقابل، هناك رأس المال الاجتماعى السلبى، أو الهدام، ويشمل الاستبداد والمحسوبية والفساد وجماعات الجريمة المنظمة والبلطجة والتطرف والظلم والحقد والعصبية والإقصاء والكذب وغيرها من الأمراض والرذائل الاجتماعية والشبكات الهدامة. لقد كانت ثورة 25 يناير ضد رأس المال الاجتماعى السلبى المتمثل فى الدكتاتورية والفساد والظلم والمحسوبية والتزوير والاقصاء. وأظهرت هذه الثورة العظيمة المخزون الهائل لرأس المال الاجتماعى المصرى والمتمثل فى سلمية الثوار والتلاحم والتناغم بينهم على اختلاف مشاربهم وروح الدعابة والابتكار عندهم. وأعظم إنجازات رأس المال هذا هو خلع مبارك وانتخاب رئيس لمصر لأول مرة فى التاريخ ووضع الدستور وانتخاب مجلسى الشعب والشورى فى انتخابات أبهرت العالم. كما حافظت اللجان الشعبية، وهى جزء من رأس المال الاجتماعى، على أمن البلاد ومصالح العباد عندما تخلى جند مبارك عن مسؤولياتهم. وهكذا انتصر رأس المال الاجتماعى البنَّاء، بمكونه الشبكى والقيمى، على رأس المال الاجتماعى الهدام. يرى العلماء أن ارتفاع رصيد المجتمع من رأس المال الاجتماعى، أو القيم والشبكات الاجتماعية سابقة الذكر، عامل مهم لجذب الاستثمارات الأجنبية وتنشيط السياحة وزيادة الإنتاج وتحسين الصحة العامة ومحاربة الفقر ومنع الجريمة. كما أنه يعوض النقص فى رأس المال العينى المتمثل فى أدوات الإنتاج ويكمل رأس المال البشرى المتمثل فى الخبرة والمهارات. لقد حرص الرئيس مرسى على تنمية رأس المال الاجتماعى فى مصر. فقد أنجز الدستور واحترم الصحافة وحرية الرأى، وحرص على أن يطهر القضاء والإعلام نفسه بنفسه. كما اجتهد فى معالجة مشكلات التهرب الضريبى وفساد بعض رجال الأعمال بالمفاوضات حتى لا تهتز الثقة فى المناخ الاستثمارى فى مصر. كما اجتهد فى تحقيق العدالة الاجتماعية واهتم بالمهمشين والمحرومين وألغى المحسوبية فى التعيين ونظر فى مظالم المواطنيين. لكن الانقلابيين أجهزوا على رأس المال الاجتماعى الإيجابى الذى أتت به ثورة يناير والذى بناه الرئيس مرسى. كما تحالفوا مع رأس المال الاجتماعى الهدام المتمثل فى الفلول وشبكات الفساد والبلطجة، لدرجة أن البعض أطلق على الانقلاب لفظ "ثورة البلطجية." كما قضوا على الشرعية والحريات وقيدوا الإعلام وارتكبوا مذابح تندى لها البشرية. أضف الى ذلك أنهم قسموا المجتمع ونشروا الكراهية بين مكوناته وأقصوا الأغلبية ووصفوها بالإرهاب مما ينذر بميلاد نظام قمعى جديد مثل نظام الأسد تسود فيه الأقلية. وهكذا اتهموا الشعب المصرى بالإرهاب وشوهوا سمعته وأفسدوا قيم ثورة 25 يناير التى بهرت العالم. إن إنحياز العسكر بعددهم وسلاحهم ومصانعهم وإعلامهم إلى فئة معينة يشوه الديمقراطية ويسمم الحياة السياسية ويدمر التجانس الاجتماعى والقيم الاجتماعية ويفسد النظام الاقتصادي. وهنا أسأل الانقلابيين ومن شايعهم: كيف يأتى السياح والمستثمرون الأجانب إلى دولة يعشش فيها الفساد وينعدم فيها الأمن وتنتهك فيها حقوق المواطنين وتقيد الصحافة وتفرض قوانين الطوارئ وتفرض حظر التجول؟ كيف يثق العالم فى قضائنا وشرطتنا بينما لايثق فيهما قطاع كبير من المصريين؟ وهل ستستمر تحويلات العاملين فى الخارج فى ظل انهيار مقومات الدولة وتآكل الثقة فى الجنيه المصرى والنظام المصرفى؟ كيف يثق العالم فينا بعدما شوه الانقلابيون سمعتنا واتهموا الملايين منا بالإرهاب؟