تصريحات وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو بالعاصمة القطرية الدوحة، أمس الأحد 16 ديسمبر 2018م، والتي أكد فيها أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أبلغ الرئيس رجب طيب أردوغان خلال مشاركته في قمة العشرين التي عقدت مؤخرًا بالأرجنتين، بأن واشنطن تعمل على تسليم فتح الله كولن وآخرين، والذي تتهمه أنقرة بتدبير انقلاب فاشل في 2016، تمثل تحولا لافتا في توجهات الإدارة الأمريكية التي طالما تمسكت ب”كولن” ورفضت خلال السنتين الماضيتين تسليمه لأنقرة. فهل تسترضي إدارة ترامب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من أجل الوصول إلى تسوية في ملف اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي على يد فريق إعدام يشرف عليه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان؟ وهل تسعى واشنطن إلى الوصول إلى صيغة تخفف من خلالها الضغوط التركية على ولي العهد السعودي في ظل التحولات اللافتة في مجلس الشيوخ الأمريكي الذي أقر مسئولية بن سلمان عن مقتل خاشقجي؟ كانت وزارة الخارجية الأمريكية، أعلنت الخميس، 15 نوفمبر، أن الولاياتالمتحدة تدرس طلبات تركيا لتسليم الداعية فتح الله كولن، لكنّ المتحدثة باسم الوزارة هيذر ناورت قالت “تلقينا طلبات عدة من الحكومة التركية تتعلق بالسيد كولن”، وأضافت: “نواصل تحليل العناصر التي تقدّمت بها الحكومة التركية من أجل دعم طلبها بتسليمه” إليها. غير أنّ ناورت شددت على أنه “لا توجد علاقة” بين قضية تسليم كولن والضغط التركي على السعودية بشأن مقتل خاشقجي في سفارة المملكة في إسطنبول، وقالت إن البيت الأبيض “لم يشارك في أي محادثات تتعلق بتسليم فتح الله كولن”. وقال ترامب الشهر الماضي (نوفمبر 2018)، إنه لا يدرس تسليم كولن في سياق جهود لتخفيف ضغوط تركيا على السعودية، فيما يتعلق بمقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في إسطنبول، لكن أردوغان قال الأسبوع الماضي: إن بلاده ستطلق مبادرات جديدة في الخارج، لاستهداف تمويل أنصار كولن. وقال تشاووش أوغلو: “رأيت في الآونة الأخيرة تحقيقًا موثوقًا لمكتب التحقيقات الاتحادي (إف بي آي) عن تهرب منظمة كولن من الضرائب”. إحراج ترامب لكن محطة (إن.بي.سي) ذكرت الخميس 15 نوفمبر 2018، أن إدارة ترامب تدرس عدة سُبل لإخراج كولن من أراضيها، وإقناع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتخفيف الضغط على السعودية في قضية مقتل خاشقجي. وردا على هذه الأنباء؛ قال البيت الأبيض إن هذا التقرير “غير دقيق”، لكن الشبكة الأميركية أشارت إلى أن البيت الأبيض يبحث عن طريقة لاحتواء غضب أردوغان في قضية خاشقجي، للحفاظ على علاقة ترامب بولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وأوضحت أن الإدارة الأمريكية تنظر إلى هذه العلاقة باعتبارها مفتاح تحقيق أهداف ترامب في مواجهة إيران، والتوصل إلى اتفاق “سلام” فلسطيني – إسرائيلي. في السياق قال مسؤولون أمريكيون وأشخاص مطلعة على مضمون المناقشات للشبكة الأمريكية إنَّ أحد الخيارات التي ناقشها المسؤولون الأتراك مع مسؤولي إدارة ترامب مؤخراً كان إجبار كولن على الرحيل إلى جنوب إفريقيا بدلاً من إرساله مباشرة إلى تركيا إذا كان تسليمه غير ممكن. لكن قالوا إنَّ الولاياتالمتحدة ليس لديها أي مبرر قانوني لإرسال كولن إلى جنوب إفريقيا، لذا فلن يكون ذلك خياراً قابلاً للتطبيق إلا إذا ذهب بكامل إرادته. ضغوط تركية مستمرة ومارست تركيا ضغوطًا كبيرة على السعودية عقب مقتل جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في 2 أكتوبر، بنشر عدة تسريبات عن تفاصيل مروِّعة لمقتل خاشقجي رغم نفي السعودية أي علم لها بذلك. وأعلنت السعودية فيما بعد أن العملية نفذها «عناصر خارج إطار صلاحياتهم» وطلبت الإعدام لخمسة موقوفين. لكن النائب العام أبعد الشبهات تماماً عن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أشار إلى أن الأمر بقتل خاشقجي صدر من «أعلى المستويات» في الحكومة السعودية دون أن يشير بأصابع الاتهام مباشرة إلى ولي العهد. وتسعى تركيا، منذ وقت طويل، لتسليم كولن، الذي يعيش في الولاياتالمتحدة منذ نحو عقدين تحت حماية الحكومة الأمريكية. واتهمته أنقرة بالمسئولية عن الانقلاب الفاشل الذي جرى منتصف يوليو 2016م؛ حيث سيطر جنرالات وضباط موالون لما يسمى ب”التنظيم الموازي” على طائرات حربية وهليوكوبتر وقصفوا مقر الرئاسة والبرلمان التركيين وقتلوا مئات المواطنين من المدنيين العزل، لكن كولن ينفي تورطه في جريمة محاولة الانقلاب الفاشلة. وثمة أزمتان تؤثران على العلاقة بين أنقرةوواشنطن: الأولى تتعلق بملف دعم واشنطن لفصائل كردية انفصالية في سوريا وهي ذات الفصائل التي تراها أنقرة إرهابية بينما تعتمد عليها واشنطن في الحرب على تنظيم “داعش”. أما الأزمة الثانية فتتعلق بالملف القانوني الخاص بتسليم فتح الله كولن، وشهدت العلاقات بين البلدين توترا خلال السنتين الماضيتين في ظل منحى أكثر استقلالية من جانب تركيا عن السياسة الأمريكية في المنطقة.