لقد ظل العلمانيون واللبراليون دوما مطية أعداء الإسلام، ووسيلتهم للقضاء على أية سلطة تحاول أن تطبق الإسلام في البلاد العربية والإسلامية منذ خروج الاستعمار الأوربي من بلادنا. فلقد كان عبد الناصر الذي اعتنق المذهب الشيوعي بعد تحويره وتسميته بالمذهب الاشتراكي هو رأس الرمح في القضاء على كل نظم الحكم التي تتمسك بالمواريث الإسلامية والعمل على إبدالها بنظم علمانية اشتراكية تتبع لما كان يسمي بالمعسكر الشرقي. فلقد ساعد عبد الناصر مثلاً من كانوا يعرفون بثوار اليمن في الإطاحة بملك اليمن، وساعد القذافي في الإطاحة بملك ليبيا، وناصب عبد الناصر بأشد العداء ملكَي السعودية سعود وفيصل وملكَي الأردن والمغرب، واتهم عبد الناصر ومناصروه من العلمانيين أولئك الملوك بالرجعية والعمالة والخيانة، وغير ذلك من المصطلحات التي كانت وما زالت تجري على ألسنة العلمانيين. ولسنا هنا في مجال الدفاع عن أولئك الملوك الذين كانوا يحكمون بعض الدول العربية بعد خروج الاستعمار, ولكننا أوردنا ذكرهم للاستدلال على ما يقوم به العلمانيون في حق شعوبهم العربية الآن من جرائم منكرة في أعقاب ما يسمي بثورات الربيع العربي. ليس من قبيل الصدفة أن ينقلب قادة الجيش المصري بالتنسيق مع العلمانيين واللبراليين وغير المسلمين على الدولة الشورية الشرعية التي أعطاها الشعب المصري أغلبية أصواته، واختار فيها في ستة انتخابات نزيهة الكفاءات الإسلامية من أحزاب "الحرية والعدالة" و"النور" و"الوسط" و"البناء والتنمية"، وحلفاءهم وفضَّلهم على الشخصيات العلمانية من أفراد أحزاب الشيوعي والوفد وفلول الوطني والكرامة والناصري وأمثالهم. لم تكن الصهيونية العالمية لتترك مصر لتنطلق إلى رحاب الدولة الشوربة المثلى بقيادة الدكتور مهندس محمد مرسي، ليكرر نجاح النموذج التركي في دولة كمصر هي أكبر دولة من دول الطوق التي تحيط بالكيان الصهيوني, فمن منطلق أن أمن إسرائيل هو أهم عند الصهاينة من أمن أمريكا, كان لابد من القضاء على دولة الإخوان في مصر، ولم تكن الصهيونية تترك مرسي وأمثاله يدفعون بمصر إلى مصاف الدول الحرة التي تملك إرادتها، بل تآمرت وأتت بالسفاح السيسي لتبدل مرسي الذي اختاره الشعب بالببلاوي وعدلي منصور اللذين عينهم السيسي بتعليمات من الصهاينة. لماذا تآمرت الصهيونية ودفعت بالسيسي بعد أن كُتب الدستور المدني لدولة مصر, وبعد أن كانت الانتخابات البرلمانية النزيهة سيسيطر عليها النواب الشرفاء من الإسلاميين والوطنيين؟ الاجابة ببساطة: لأن مصر إذا تُركت للشرفاء ستنظف، وسينظف بعدها كل العالم العربي، وسيزول حينذاك سلطان وهيمنة دول الصهيونية على عالمنا العربي. أقول: ما كان ذلك من قبيل الصدفة، بل هو تكرار لما مارسته الصهيونية العالمية من قبل مع القائد العلامة المرحوم بروفسور نجم الدين أربكان، أستاذ الهندسة الميكانيكية الذي أضاف إلى ألمانيا ما أضاف من مخترعات. وسبحان الله على تشابه السمت بين الدكتور أربكان والدكتور مرسي في كل شيء!! علماء عالميون في مجال الهندسة الميكانيكية في عالم أصبح اليوم لا تحركه إلا الميكانيكا، وهم في نفس الوقت فقهاء في علوم الإسلام. نفس الانقلابات العسكرية والسجن وتزوير الانتخابات التي مورست في تركيا قبل عقود تمارس في مصر الآن. وإذا كان تلاميذ البروفسور أربكان رجب أردوغان وعبد الله غول قد انتصرا لشعب تركيا بعد سنوات من وفاة أربكان وحاكموا الجنرالات الانقلابيين العلمانيين بالسجن المؤبد مؤخرا, فإننا على يقين بأن دكتور مرسي نفسه سيخرج بأمر الله تعالى، ثم بإرادة شعب مصر قريبا، ويحاكم السيسي ومن شايعه ليلقوا مصيرهم المشئوم جزاء وفاقا لما تسببوا فيه من تقتيل للأبرياء وتمثيل بالجثث وتلفيق للتهم ومداهمة للبيوت الآمنة في الفجر، وهتك أعراض من فيها، تلك المهن السافلة التي دربهم عليها عرابهم عبد الناصر وجلادوه: شمس بدران، وصلاح نصر، وشعراوي جمعة، وغيرهم من الجلادين. تعالوا الآن ننظر إلى بلدنا نحن "السودان" الذي يقال عنه إنه دولة إسلامية يمكن أن تكون نموذجا يحتذى به، لنرى مواقفنا وما يكتب في بعض صحفنا حيال ما يجري في مصر, أما عن مواقفنا فانه في الوقت الذي رفض فيه الرئيس اللبرالي التونسي المنصف المرزوقي مجرد تلقي اتصال من أي مسئول مصري, ها هي وزارة خارجيتنا تستقبل وزير خارجية السفاح السيسي الذي لم يستطع زيارة أية دولة حتى الآن غير السودان وجنوب السودان، ودويلة محمود عباس في رام الله!! أما ما يدس أحيانا في إعلامنا ونعرفه من لحن القول، فأنا هنا سأنقل لكم من مقالين نشرا في إحدى صحفنا في الأسبوع الماضي. ففي مقال بعنوان "مناسيب الخصومة"، كتب الكاتب بعد مقدمة طويلة تهيئ لدس سمه: "وقد ظهر في صحافتنا مؤخرا إذ إن أغلب الأقلام وفي جوقة موسيقية قد صوبت نحو صدر الحكومة المصرية المؤقتة والجنرال السيسي.. وهم ليسوا بشهود عيان حتى يطلقوا العنان لكتاباتهم، فقد استقوا معلوماتهم من اتجاه عين إعلامية إخوانية، فكانت إعصار غضبة مضرية، حتى أنها وصلت دركا ساحقا بإطلاق نعوت مفزعة على السيسي وحكومته.." إلى أن يقول الكاتب: "إن الدم المصري لضحايا الجانبين إخوان مرسي والمتصدين لهم لا أحد يزايد على أنه غير مقبول إنسانيا، فلماذا تصب بعض الأقلام الزيت على النار؟! - بعد أن قال الكاتب - كأنما الطرف الآخر، ونعني به أنصار مرسي بريء من الدم الذي سال"!!. انتهي كلام الكاتب اللبرالي غير المسلم. أما الكاتب الآخر على الصفحة الأخيرة تحت عنوان "عائد عائد يا مبارك"، يقول في عموده: "الجيش والشرطة بريئان من دم الإخوان المسلمين ... ليس للجيش المصري أية مصلحة في إراقة دماء مواطنيه ... لا شك أن هناك مقاول يعمل بكل همة ونشاط هو المسئول عن أنهار الدماء في مصر ... هؤلاء هم من أطلقوا النار على القوات الخاصة التي اقتحمت الميدان ... هذا الطرف الثالث يطلق الرصاص أيضا على المعتصمين حتى تلصق التهمة بالشرطة والجيش"!! انتهى هذا النقل بتصرف من مقال الكاتب المسلم. أنا أرد على كليهما باختصار فأقول: إنه لا يجوز تشبيه أغلب كتابنا كقتلة صوبوا أقلامهم نحو صدر السيسي وحكومته الطيبة المسالمة، ولا يجوز أن يشبه ما يكتب معظمنا بأنه انحدار في درك سحيق نتج عنه نعوت مفزعة كما قال الكاتب, فهذا الكاتب بذلك يتجنى علينا من ناحية، ومن ناحية أخرى يستعدي علينا هيئات الرقابة على الصحف لتحجر على مقالاتنا وتتركه وأمثاله يبثون سمومهم في صحفنا، تماما كما فعل السيسي. البطل الخلوق الدكتور مرسي عندما كان رئيسا لمصر لم يغلق لهم صحيفة ولا فضائية، ولم يعتقل أحدهم ولا إحداهن. أما العين الإعلامية الإخوانية التي يقصدها الكاتب فهي قناة الجزيرة التي توثق لأمثال أولئك الإعلاميين اللبراليين ما يقولون من سموم، يراد منها هدم الشرعية في بلادنا العربية. أما قول الكاتب: "إخوان مرسي والمتصدين لهم" في سياق قوله: "إن أنصار مرسي ليسوا بريئين من الدم الذي سال"، فهو نفس تضليل الإبراشي وبكري ولميس وأمثالهم من العلمانيين المضللين الذين يصورون الإخوان وكأنهم هم البادئون بالعنف، مما يوجب على الشرطة التصدي لهم. وأخيرا فليعلم الجميع أن ما حدث في مصر هو انقلاب صهيوني دموي، الغرض منه إقصاء الإسلاميين عن السلطة بكل السبل الإجرامية، من تقتيل وحرق جثث وتبشيع وتعذيب في السجون واعتقال للنساء، وغير ذلك من وسائل حروب الإبادة التي وصفتها بها كل صحف أوربا وأسيا وأمريكا وتركيا، ولم يصفها بغير ذلك إلا صحف الخليج ومصر وبعض الكتاب العلمانيين الذين تُرك لهم الحبل على الغارب في بلادنا، وأنا أرجو أن يترك لهم الحبل أكثر حتى يخرجوا أضغانهم ونعد عليهم أقوالهم. وليعلم أيضا أنه ليس هناك طلقة رصاص يطلقها فرد جيش أو شرطة أو بلطجي في مصر إلا وأمر بها السيسي والببلاوي ووزير داخليتهم، وأن المقاول الكبير هو السيسي الذي يوظف ثلاثمائة ألف بلطجي, ومعلوم أن من يصدر أوامر للطائرات العمودية لقنص المتظاهرين العزل هو كبير المقاولين عبد الفتاح السيسي، وشريكه محمد إبراهيم اللذان أيقنا أنه لا مكان لهما مهما طال الأمر إلا أقفاص محاكم الجنايات، هذا إن لم ينتحرا. لاحظوا أن ما حدث في مصر يراد تكراره في تونس والمغرب وتركيا وليبيا، أي في كل الدول التي اختارت شعوبها شوريا أن تحكم بالإسلام, أما عندنا في السودان فأنا أعتقد أن مثل تلك الأقلام هي ما يحاول أن يمهد بها الصهاينة لإحداث فتنة عندنا، ظهرت بوادرها فيما كان يسمي بجمع التوقيعات والمائة يوم. تعلمون لماذا السودان متخلف مع أننا أعلنا دولة المشروع الحضاري؟ الإجابة باختصار: لأننا لا نملك رجالا من أمثال أردوغان وعبد الله غول, نحن نملك رجالا يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يقولون. يا سادة، إذا كانت فنزويلا ونيكاراجوا وموريشيوس وتركيا سحبت سفراءها من مصر, فهل نحن ننتظر أمريكا لتقول لنا: اقطعوا العلاقات مع السيسي؟! تبا لك يا أوكامبو، لقد أدخلت فينا التي لن تخرج وأجبرتنا على أن نقول: "واحنا مالنا؟". أبشركم بنصر قريب يعز فيه أهل الطاعة ويذل فيه أهل المعصية. ____________ كاتب سوداني