يبدو أن السعودية تحولت ل”بلطجي” جديد في الشرق الأوسط، على غرار ما يقوم به قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي في مصر وأبناء الشيخ زايد في الإمارات، وذلك بعد أن قامت في سابقة غير مسبوقة دبلوماسيا بخطف الصحفي المعروف جمال خاشقجي، خلال وجوده بالقنصلية السعودية في تركيا لتخليص بعض الاوراق. فلم يقم بمثل هذا العمل حديثا في تاريخ الدول العربية، سوى الإمارات التي رحلت أحمد شفيق المرشح الخاسر في انتخابات الرئاسة المصرية، ورئيس الوزراء الأسبق، حينما أعلن ترشحه أمام السيسي، كما يقوم به نظام السسي يوميا باختطاف المئات من الشعب المصري وإخفائهم قسريا. أكثر من 12 ساعة على اختفاء الكاتب السعودي جمال خاشقجي، وما زال لغز اختفائه يزداد تعقيدا مع شح المعلومات عن مصيره. والتزمت الرياض الصمت حيال اختفاء خاشقجي، فيما لم تنشر وسائل الإعلام السعودية أي خبر عن الحادث، ما يشير إلى اتباع سياسة التجاهل في التعامل مع الحادث. وأكد حساب معتقلي الرأي السعودي الذي يتابع أخبار المعتقلين في المملكة، مساء أمس الثلاثاء، أن خاشقجي وصل السعودية، لكن الحساب عاد وحذف التغريدة. ونشرت وكالة الأنباء السعودية خبرا يفيد بأن المملكة استردت الثلاثاء عبر الشرطة الدولية (إنتربول) مطلوبا في قضايا احتيال، لكنها لم تذكر اسم المواطن المعنيّ، مما رجح احتمال تعرض خاشقجي للاختطاف ونقله للسعودية. وأضافت الوكالة أن المواطن السعودي الذي استردته -بعد أن فر من البلاد- كان مطلوبا في قضايا تتعلق بشيكات بدون رصيد. تركيا تحقق في القضية فيما تواصلت السلطات التركية مع السفير السعودي في أنقرة بشأن موضوع خاشقجي، فأكد أنه ليس لديه أي معلومات عن الحادثة. وفتحت الشرطة تحقيقا في اختفاء خاشقجي بعد ساعات من دخوله مبنى القنصلية السعودية في إسطنبول للحصول على وثائق عائلية. وقامت الشرطة التركية بنشر حواجز حديدية على كافة مداخل القنصلية السعودية في مدينة إسطنبول، فيما ساد الهدوء محيط القنصلية، وخلا المكان من وجود أحد سواء من ذوي خاشقجي أو حتى الأمن التركي، باستثناء موظف سعودي كان يقف على بوابتها الرئيسية. وكشفت قناة “الجزيرة” أن السلطات التركية في حي بيشكتاش -الذي تقع فيه القنصلية السعودية- أرسلت دورية شرطة، لكن القوانين والأعراف الدبلوماسية لا تسمح لها بدخول القنصلية. وقالت إن الشرطة سألت المسؤولين في القنصلية عن مصير خاشقجي، لكنها أبقت أجوبتهم طيّ الكتمان، وضمتها إلى التحقيق الذي فتحته في القضية. فيما قالت وزارة الخارجية الأمريكية: إنها تحقق في اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي، فيما نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية أن خاشقجي أعرب عن قلقه لأحد أصدقائه من احتمالية تعرضه للاختطاف في حال زيارته للقنصلية السعودية. كما ذكرت خطيبته التي رافقته إلى المكان، أنه لم يسمح لها بمرافقته، فبقيت تنتظره في الخارج حتى إغلاق القنصلية. وقالت خطيبة خاشقجي السيدة خديجة، التي تحمل الجنسية التركية، إن الإعلامي السعودي كان على موعد مع قنصلية بلاده، من أجل الحصول على ورقة تفيد بأنه غير متزوج، حتى يمكن له أن يتزوج في تركيا. تفاصيل ما حدث وبحسب السيدة التركية، ذهب خاشقجي وخطيبته إلى منطقة “بيبك”، التي توجد بها القنصلية السعودية، وترك خاشقجي هاتفه المحمول مع خطيبته وتواعد معها أن يلتقيها بعد أن ينهي معاملته، في مكان قريب من مقر القنصلية تركها فيه. وبعد مرور أكثر من ساعتين لم يأتِ خاشقجي، فذهبت السيدة التركية إلى مقر القنصلية وسألت عنه، فقالوا حينها إنه أنهى معاملته بعد وقت قصير وغادر القنصلية. وعقب هذا الأمر تواصلت السيدة التركية مع الأجهزة الأمنية من أجل فهم ما حدث، وبعدها فتحت الشرطة التركية تحقيقا في الواقعة، ولم تعلن أي جهة رسمية سعودية أو تركية عن أي معلومة حتى الآن. وكان خاشقجي مستشارا للحكومة قبل أن ينتقل إلى الولاياتالمتحدة العام الماضي لتجنب اعتقاله بعد توجيهه انتقادات لبعض سياسات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ولتدخّل الرياض في الحرب في اليمن. خاشقجي انتقد بن سلمان في مقالاته وكتب مقالات انتقد فيها بعض سياسات ولي العهد السعودي، وقال إن المملكة منعته قبل أن يغادرها، من استخدام موقع تويتر للرسائل القصيرة «عندما حذرت من المبالغة في الحماس للرئيس الأمريكي دونالد ترامب عند انتخابه”. وكتب خاشقجي في سبتمبر 2017 يقول: “لقد تركت بيتي وأسرتي وعملي، وأنا أرفع صوتي.. فعل غير ذلك خيانة لمن يقبعون في السجن. يمكنني الكلام بينما الكثيرون لا يقدرون”. ولم تكن هذه المرة الأولى التي يلجأ فيها ولي العهد لسياسة الخطف، فقد سبق وقام باختطاف رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، واستقال رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري بشكل مفاجئ خلال وجوده بالمملكة العربية السعودية، نهاية العام الماضي، وقامت السعودية باحتجازه، وبعد فضيحة دولية قامت السعودية بالإفراج عنه.