في توصيف قديم لظاهرة المواطنين الشرفاء التي ظهرت مع انقلاب 30 يونيو 2013، يقول عبد الرحمن الكواكبي في كتاب طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد: “العوام هم قوة المستبد وقوْتُه، بهم وعليهم يصول ويطول، يأسرهم فيتهللون لشوكته، ويغْصِب أموالهم فيحمدونه على إبقائه حياتهم، ويهينهم فيثنون على رفعته، ويُغري بعضهم على بعض فيفتخرون بسياسته، وإذا أسرف في أموالهم يقولون كريمًا، وإذا قتل منهم ولم يمثِّل بهم يعتبرونه رحيمًا، ويسوقهم إلى خطر الموت، فيطيعونه حذر التوبيخ، وإن نقم عليه منهم بعض الأباة قاتلهم كأنهم بُغاة”. وفي مشهد حيواني بامتياز يشبه ما يعرض في مقاطع فيديو الافتراس في الغابات، اندفع عشرات من المارة الذين انشقت الأرض عنهم، باتجاه الشاب الضحية عبدالله أيمن عبد السميع “24 سنة”، الذي قاده حظه العاثر إلى اشتعال حقيبة كان يحملها على ظهره، وبها جهاز حاسب آلي شخصي (لاب توب) وفيما يبدو قد انفجرت بطاريته، وذلك بمحيط ميدان سيمون بوليفار، وأوسعوه ضرباً وركلاً وجردوه من ملابسه للدرجة التي جعلت أمناء الشرطة الموجودين في محيط الحادث يشعرون بالغيرة ويصرخون فيهم “كفاية بأه.. عيب كدا”. تقول الناشطة نورا علي:” الشاب اللى اتهموه امبارح بتفجير فى محيط السفارة الامريكيه النهاردة سمعت خبر إن تم تبرئته اللى لفت نظرى مش إنهم اعتقلوه أو تم توجيه التهمه له من قبل الشرطه لأ ،اللي لفت نظرى معامله المارة له، قمة فى التخلف والرجعية إحنا شعب متخلف شويه بهاااايم بتتعامل معاه، اللي يضربه، واللي يشتمه، واللي يقوله اقلع هدومك، ده كفايه وقتها الرعب اللي شافه من شويه بهايم خلاه ميعرفشي يدافع عن نفسه، ولا ينطق وقتها واللي اتضح بعد كده إنها بطاريه اللاب بتاعته انفجرت من شدة الحرارة فى الشنطه ده احنا حلال فينا اللي السيسي بيعمله واللي الشرطه بتعمله فينا إحنا فراعنة جبابرة واللي بيطول حد بيفعصه تحت رجليه”. حصار مسجد الفتح ويقول الناشط محمود شعبان:” شوفت الفديو عالم قمه فى التعريض والوساخة إحنا شعب عبيد لازم الضرب بالجزمة علشان نعيش حسبي الله ونعم الوكيل فيهم الواحد هايتجن بيتفننوا فى أمور التعريض منهجهم عرض كتير تعيش كتير”، ولم ينس المصريون حصار مسجد الفتاح في رمسيس بعد حصار تواصل ليوم 17 أغسطس 2013، واعتداء “المواطنون الشرفاء” وقوات الأمن على المعتصمين، بشكل مهين، بجانب اعتقال نحو 600 منهم، ومع مغادرة عدد من المحاصرين بينهم نساء، اعتدى البلطجية بصحبة أفراد من الجيش والأمن كانوا يقتادونهم إلى سيارات الأمن، حيث يحتجزون ثم ينقلون بعيدا عن المنطقة. ولولا عناية الله ثم ذكاء وحكمة تصرف الفتاة “شيماء منير” التي كسرت التعتيم الإعلامي على حصار مسجد الفتح برمسيس، عن طريق بث مباشر من داخل المسجد عبر الكاميرا إلى جميع فضائيات العالم، وحالت دون اقتحام المواطنين الشرفاء وقوات الجيش والشرطة وارتكاب مجزرة فيه، واعتُقلت عقب اقتحام المسجد واقتيدت إلى سجن طره مع أخريات كنَّ محاصرات معها. وظهر مصطلح “المواطنين الشرفاء” في مصر بعد الثورة على مبارك مباشرة، تعبيرا عن السخرية من أشخاص تخصصوا في الهجوم على التظاهرات والوقفات الاحتجاجية المناهضة للنظام، اشتق الاسم من وصف المجلس العسكري، الذي تولى السلطة بعد تنحي مبارك، لهؤلاء البلطجية وعناصر الأمن والجيش الذين يرتدون ملابس مدنية ويتعدون بالسباب والضرب وأحيانا بالرصاص والأسلحة البيضاء على المتظاهرين. وبينما كان المجلس العسكري يستخدم مصطلح “المواطنين الشرفاء” في كل بياناته الرسمية، قرر نشطاء، نكاية في الحكم العسكري، تحويل المصطلح إلى تهمة، فبات المتهم بأنه من المواطنين الشرفاء، أقرب ما يكون إلى “المخبرين” و”المرشدين”، وهم عناصر عاملة في الأجهزة الأمنية مهمتها الإبلاغ عن المواطنين في المناطق التي يعيشون فيها. ولا يتوقف عمل “المواطنين الشرفاء” على مهاجمة الوقفات والمسيرات المناهضة للنظام، وإنما تمتد مهام عملهم إلى تنظيم، والمشاركة في مظاهرات ووقفات للدعاية ودعم ممثل النظام، وخاصة الجنرال السيسي في الوقت الحالي، وتهتم وسائل الإعلام الموالية للانقلاب في مصر بإظهار تلك الوقفات، باعتبارها دليلا على الحب الشعبي الجارف للجنرال الذي يطالبه الشعب باستكمال معروفه والترشح للرئاسة من أجل حكم البلاد. الآن أتكلم يخلع أحد المواطنين الشرفاء ملابسه رغم برودة الجو، ليقدم وصلة رقص شعبي بالملابس الداخلية، على شرف الجنرال، بينما تقف فتاة من المواطنين الشرفاء أمام الحاجز الأمني والأسلاك الشائكة في ميدان التحرير، لتقدم وصلة رقص بلدي، رافعة صورة الجنرال، وهو ما لا تكرر نشره وسائل الإعلام الموالية للانقلاب، حتى لا يستثير حفيظة الجمهور المصري المحافظ بطبعه، والذي يرفض تلك الممارسات. وعرف ثوار مصر “المواطنين الشرفاء” جيدا، على مدار السنوات الثلاث الأخيرة، وواجهوهم وقاوموهم، في التحرير وماسبيرو والعباسية ومحمد محمود ومجلس الوزراء وغيرها، ولدى كثيرين قناعة كاملة، بأن هؤلاء ليسوا مواطنين عاديين، وإنما شخصيات يتم استخدامها من جانب الأجهزة الأمنية والنظام الحاكم، لترهيب أو الاعتداء على الناشطين والمعارضين، خاصة أن وجوها بعينها، بات يتكرر ظهورها في أماكن ومواقف عدة. لكن الأمر لا يخلو من آثار تاريخية للظاهرة، ففي مذكرات الراحل خالد محيي الدين، أحد الضباط الأحرار، المعنونة باسم “الآن أتكلم” رواية تؤكد أن الأنظمة العسكرية استخدمت “المواطنين الشرفاء” مبكرا، والواقعة المحددة التي تحدث عنها محيي الدين في مذكراته حدثت في 1954 عندما خرجت في العاصمة المصرية مظاهرة عمالية تهتف “تسقط الديمقراطية”. ويقول محيي الدين: “وبدأ عبد الناصر في ترتيب اتصالات بقيادات عمال النقل العام لترتيب الإضراب الشهير، وسأورد هنا ما سمعته من عبد الناصر بنفسي، فعند عودتي من المنفى التقيت مع عبد الناصر، وبدأ يحكي لي ما خفي عني من أحداث أيام مارس الأخيرة، وقال بصراحة نادرة: لما لقيت المسألة مش نافعة قررت أتحرك وقد كلفني الأمر أربعة آلاف جنيه”. تفويض بالقتل وفي ذاكرة المصريين مذبحة مباراة بين النادي الأهلى والنادي المصري البورسعيدي، والتي راح ضحيتها أكثر من 70 شابًا من مشجعي الأهلي، وفي تلك الليلة الحزينة ظهر رئيس المجلس العسكري المشير حسين طنطاوي، مطالبًا الشعب بالتحرك لردع القتلة، وكالعادة ألقيت التبعة على كاهل ذلك الطرف الثالث الخفي أو تنظيم المواطنين الشرفاء، ليفرج النظام بعفو مماثل عن اللواء محسن شتا المدير التنفيذي السابق للنادي المصري، ومن أدين بحكم محكمة الجنايات فيما عرف إعلاميًا ب”مذبحة بورسعيد”. ولا تكاد تخلو فاعلية سياسية مؤيدة للانقلاب أو معارضة له من وجود “المواطنين الشرفاء” الذين منحهم هذا اللقب السفيه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي عقب انقلابه على الرئيس محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب في مصر بعد ثورة يناير 2011؛ ففي أحد خطاباته التي تلت الانقلاب، طالب السفيه السيسي من وصفهم ب”المواطنين الشرفاء الأمناء” بالخروج إلى الشوارع والميادين لمنحه “تفويضاً وأمراً بمحاربة العنف والإرهاب المحتملين”. وفي كل المظاهرات المعارضة التي تلت ذلك التفويض، كانت مجموعات مسلحة تعتدي على المتظاهرين، ولم تسلم منهم حتى الوقفات الاحتجاجية التي كانت تنظمها فئات خاصة منها نقابة الصحفيين، على سبيل المثال، فقد باغتها “مواطنون شرفاء” حاملين مكبرات الصوت ومرددين هتافات تهدف للتشويش ولفت الأنظار. وأصبح “للشرفاء” نجومهم المعروفون بكثرة لقاءاتهم الإعلامية وبالعبارات التي اشتهروا بها، مثل منى البحيري” صاحبة عبارة “شات أب يور ماوس أوباما”، وكذلك “عبده بسكلته” الذي اشتهر بهذا الاسم بفضل دراجته التي يجوب بها شوارع القاهرة تصيداً لأي فعالية مناهضة للسفيه السيسي. div style=”position:relative;height:0;padding-bottom:57.46%”iframe src=”https://www.youtube.com/embed/vFF_hSvy-xc?ecver=2″ style=”position:absolute;width:100%;height:100%;left:0″ width=”626″ height=”360″ frameborder=”0″ allow=”autoplay; encrypted-media” allowfullscreen/iframe/div