بعد سقوط الغوطة الشرقية، آخر معقل لمقاتلي المعارضة قرب دمشق، تستقطب إدلب اهتمام روسياوتركيا، ويتوقف مصيرها- بحسب محللين- على قدرة أنقرة على توسيع سيطرتها في شمال غرب سوريا، عبر تقليص نفوذ هيئة تحرير الشام، اللاعب الأقوى ميدانيا. وتسيطر هيئة تحرير الشام حاليا على نحو 60 % من إدلب الحدودية مع تركيا، بينما تنتشر فصائل أخرى وفصائل تابعة للجيش الحر في مناطق أخرى. وتمكنت قوات النظام مؤخرا من استعادة السيطرة على مطار أبو الضهور العسكري وعشرات القرى والبلدات في ريف إدلب الجنوبي الغربي. ويقول الباحث في المعهد الأمريكي للأمن نيك هاريس: إن إدلب “موضع سباق بين روسياوتركيا، وسيعتمد مصير المحافظة على تصميم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على تحدي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوريا”، ويضيف “يتجمع أكثر خصوم الأسد شراسة في إدلب، وقد يغري الأمر روسيا كثيرا لإعطاء النظام الضوء الأخضر لشن هجوم في المحافظة”. صراع من النظام وتؤوي إدلب هيئة تحرير الشام وفصائل أخرى وعشرات الآلاف من المقاتلين الذين تم إجلاؤهم على مراحل من مناطق مختلفة بموجب اتفاقات مع دمشق، آخرها من الغوطة الشرقية بإشراف روسي مباشر. يقول الكاتب والمحلل السياسي ممدوح المنير: “تستعد إدلب المنهكة والمثخنة بالجراح لمعركة مصيرية، ليس في الصراع مع النظام وحلفائه فحسب، ولكن حتى في الجانب الأخلاقي والإنساني، لما يتوقع من استخدام الروس والنظام لسياسة الأرض المحروقة مع المدينة وسكّانها لغلق ملف الصراع العسكري في سوريا، كما يأملون”. مضيفًا أن “الأتراك من جانبهم يعززون تواجدهم عسكريا في شمال إدلب ومحيطها، خصوصا بعد فشل المفاوضات مع جبهة تحرير الشام كي تقوم بحلّ نفسها لتفويت الفرصة على الروس والنظام؛ الذين يبررون هجومهم على إدلب بالقضاء على الجبهة التي يصفونها بالإرهابية، حيث طلب الأتراك من الروس فرصة حتى الرابع من سبتمبر لإقناع الجبهة بحلّ نفسها، في حين ترى فصائل من المعارضة أن المفاوضات مع النظام لن تؤدي إلى شيء، كما حدث سابقا، وأنها فرصة يستغلها الروس للاستعداد للمعركة وكسب مزيد من الوقت”. وتابع: “وهذا ما يجعلنا أمام كارثة إنسانية بحق بسبب هذا الخلاف، فالأتراك أعلنوا الجبهة منظمة إرهابية، وهو ما يعني احتمالية وقوع صدام عسكري بينهما رغم وجود تفاهمات وتنسيق كبير بينهما قبل ذلك، كما أنّ الجبهة تسيطر فعليا على معظم أنحاء إدلب، ما يعني معركة على نطاق واسع يخسر فيها الجميع ويكسب النظام وحلفاؤه، وبالتالي نصبح أمام المعضلة الآتية: هجوم منتظر للنظام والروس على المحافظة، وفصائل منقسمة على نفسها، جزء منها موالٍ للأتراك، وآخر رافض لها، وثالث ينسّق أمريكيا”. وتابع “وهنا نصل إلى النتيجة الحتمية التي نسير إليها، وهي الحرب. فلا تنازلات حقيقية بين الأطراف ولا ثقة بينهم لتقديمها، وعليه سيعتمد حسم مصير إدلب على صوت البندقية، ونصبح أمام مأساة إنسانية على وشك الحدوث؛ نتيجة حالة الضعف والتشرذم التي تحياها الأمة. اللهم إنّا نسألك السلامة والأمن لأهلنا في إدلب وسوريا”. كنّا مغفلين ويقول الناشط الحقوقي عمرو أبو خليل: “مشهدُ التتري الذي ذهب ليحضر سيفه ليعدم المسلمين، فعاد ووجدهم في انتظاره لم يحاولوا حتى الهرب أصبحنا ننتظر المذابح ولا أحد يحرك ساكنا، وصلنا لحالة من العجز المقيت الذي نستحق معه كل ما يجري لنا.. ألا شاهت الوجوه”. وتقول الناشطة فاطمة الزهراء: “شرق أوسط جديد.. كنا مغفلين ومعملناش أهمية لخطورة الكلمة.. وبكره الدور جاي علينا”، وفقد النظام السيطرة على إدلب في العام 2015، وتحولت هذه المحافظة التي تسيطر جبهة فتح الشام على معظم أجزائها إلى ملجأ للآلاف من المقاتلين وعائلاتهم الذين هجروا من مناطق بسط النظام السيطرة عليها، على غرار مدينة حلب والغوطة الشرقية وريفي حمص وحماة وأخيرا جنوب غربي سوريا.