تطورات مثيرة تشهدها قضية مقتل الأنباء إبيفانيوس رئيس دير أبو مقار بوادي النطرون محافظة البحيرة، حيث تحولت التكهنات والشكوك إلى اتهام رسمي من جانب الأجهزة الأمنية وجهات التحقيق لراهبين من أنصار البابا شنودة بقتل رئيس الدير فجر يوم الأحد 29 يوليو الماضي. واتهمت الأجهزة الأمنية في محافظة البحيرة، الراهبين أشعياء المقاري، وفلتاؤس المقاري، بالتورط في واقعة قتل رئيس دير الأنبا مقار بوادي النطرون، إثر تعرضه لاعتداء من الخلف على الرأس بآلة حادة، وذلك استناداً إلى محاولة انتحار الراهبين، ومعرفتهما بتفاصيل الدير، وأماكن وجود كاميرات المراقبة الخاصة به. وخضع كل من الراهبين المتهمين بقتل الأنبا إبيفانوس لتحقيقات مكثفة في القضية، كونهما من الفريق المعارض لرئيس الدير الراحل، وترهبنا ضمن مجموعة أدخلها إلى الدير البابا الراحل شنودة الثالث، عقب وفاة الأب متّى المسكين، في محاولة منه لتعديل التركيبة الفكرية لآباء الدير، وإحكام السيطرة عليه، في ضوء الخلاف التاريخي والفكري بين شنودة والمسكين على كرسي الباباوية، الذي يعود إلى عام 1971م. وحسب التحريات الأمنية، فإن الراهب أشعياء أرشد إلى "قطعة الحديد" التي استخدمها في قتل رئيس الدير، وأخفاها لاحقاً داخل الدير، حيث اعتمد فريق البحث على سؤال ما يقرب من 400 عامل بالدير، و150 راهباً، حول ملابسات الحادث، ومكان وجودهم وقت حدوث الجريمة، علاوة على معاينة كاميرا المراقبة في الدير، وإجراءات الأمن الداخلي للكنيسة، إلى جانب الأماكن والأراضي المحيطة بالدير والعاملين فيه. ووفقا للتحريات فإن أشعياء أراد التخلص من رئيس الدير بقتله، بعد اكتشاف الأخير مخالفات ارتكبها الراهب بشأن عدم الالتزام بقواعد الرهبنة، وفي مقدمتها التجرد والطاعة، مشيراً إلى ارتكابه الواقعة بمساعدة صديقه الراهب فلتاؤس، الذي حاول الانتحار بقطع شرايين يديه عقب قرار النيابة العامة بالتحفظ على أشعياء، وقرار المجلس الكنسي بتجريده (أشعياء) من الرهبنة، وعودته إلى اسمه العلماني (المدني). وبحسب التحريات فإن الراهب المقتول تمكن من جمع أدلة تفيد بعقد أشعياء صفقات تجارية، وشراء ممتلكات عبارة عن أراضي وعقارات بالمخالفة لشروط الرهبنة، فضلاً عن تدشينه (مع فلتاؤس) صفحة تحريضية مغلقة تضم عدداً من الرهبان داخل الدير على موقع "فيسبوك" ضد رئيس الدير، بالمخالفة لقانون الرهبنة، الأمر الذي دفع بطريرك الكرازة المرقسية، البابا تواضروس الثاني، إلى إصدار قرار بغلق أي صفحات أو حسابات للرهبان على وسائل التواصل الاجتماعي. الدافع الثاني وراء إقدام الراهب المشلوح على قتل رئيس الدير الانتقام منه لاعتياد الأخير التقدم ضده بشكاوى للجنة شؤون الأديرة في الكنيسة القبطية (الأرثوذكسية) عن مخالفاته، التي رفعت بدورها إلى البابا تواضروس، ما دفع رئيس الدير إلى اتخاذ قرار بإبعاده مدة 3 سنوات، غير أن مجموعة من رهبان الدير وقعوا على التماس طالبوا فيه بالعفو عن أشعياء، والإبقاء عليه بالدير، متعهدين بمساعدته على تغيير مسلكه الخاطئ، وهو ما استجاب له تواضروس. وبحسب مراقبين ومتخصصين في شئون الكنيسة فإن مخاطر هذه القضية سوف تنعكس على مستقبل الكنيسة كونها رفعت غطاء السرية والكتمان الذي ضربته الكنيسة على الخلافات اللاهوتية التي تعصف بالكنيسة بين تيارين: الأول ويمثله تلامذة الأنبا متى المسكين وعلى رأسهم البابا تواضروس نفسه وكان رئيس دير أبو مقار القتيل أحد رواده ومفكريه. والثاني، هم تلامذة البابا شنودة وعلى رأسهم الأنبا بيشوى أسقف دمياط والذي كتب عدة مؤلفات ترد على ما يسمها تياره هرطقة الأنبا متى المسكين. ويسعى البابا تواضروس منذ صعوده على كرسي الباباوية في 2013م، إلى حصار نفوذ أنصار البابا شنودة والذين كانوا يمثلون أغلبية ساحقة في المجمع المقدس وقتذاك، وأجرى البابا عدة تغييرات هيكلية مؤثرة على بنية المناصب الحساسة في الكنيسة تسحب البساط من أنصار شنودة وتعزز نفوذ أنصار البابا الجديد وتلامذة متى المسكين الذي ظل في خلاف مع الكنيسة عدة سنوات ومنعت بيع كتبه في جميع الكنائس والأديرة ما عد دير أبو مقار. ويرى الباحث الإسلامي عصام تليمة أن التفاصيل الكثيرة التي وقعت بعد مقتل رئيس دير أبو مقار تؤكد أن الأديرة باتت أشبه ما يكون بدولة داخل الدلة وهي دولة الكنيسة وشعبها. قائلا: ( لو أن الحادث – مثلا – حدث في مؤسسة دينية إسلامية، بأن قتل إمام مسجد، أو مدير منطقة أوقاف، في مكان يعيش فيه الأئمة فقط، لرأينا الإعلام وضيوفه يتكلمون عن الأزهر ومناهجه، وكيف أن هذا الإمام المقتول وقد قتله يقينا زميل له، لا شك أنه تأثر بالمناهج الأزهرية القديمة المتشددة). ويتساءل تليمة: (هل يجرؤ الإعلام المصري ونخبته على فتح ملف الأديرة والكنائس، وما يجري فيها؟). وينتهي الباحث مستنكرا (لقد تدخل الإعلام في شؤون الأزهر، في كل صغيرة وكبيرة فيه، وصادر حكم العسكر في عهد عبد الناصر أوقافه، ولم يردها للمسلمين، بينما رد كل أوقاف المسيحيين، وترك إدارة الأديرة للكنيسة خالصة لا يتدخل فيها أحد، حتى أصبحت دولة مستقلة داخل الدولة، وكلما حدثت حادثة في دير من الأديرة كلما فتح أعين الناس على المسكوت عنه داخل هذه الأديرة).