تأكيدا لما انفردت به "الحرية والعدالة" كشفت تقارير صحفية، أن المواطن المصري سيدفع ثمن إغلاق السعودية مضيق باب المندب، ولن يتوقف الأمر عند انخفاض إيرادات قناة السويس فقط، وذلك على بعد صوايخ الحوثيين التي ضربت سفن وحاملات نقل البترول السعودية نهاية الأسبوع الماضي. ونقلت وكالة "أسوشييتد برس" في 2015 عن مسؤولِين أمنيِّين مصريِّين قولهم إن مصر أسَّست قوة انتشار سريعة خاصة، تستطيع التدخل إذا هدد الحوثيون الممرات الملاحية في البحر الأحمر ذات الأهمية الاستراتيجية، وسط المخاوف التي تصاعدت وقتها من سيطرة الحوثيين على مضيق باب المندب، إلا أن العنترية الجوفاء لسلطات الانقلاب كشفت عن ترهل قواتها المنهكة في حروب التيارات السياسية المختلفة، حتى أن تهديد المصالح المصرية في البحر الأحمر طوال 3 سنوات من الحرب، لم يُترجَم على الأرض، أو بالبحر؛ إذ شاركت مصر مشاركة خجولة في الحرب الطويلة التي قادتها السعودية ضد جارتها الجنوبية. إلا أن النتائج تؤكد كذب الوعود الحوثية خلال فترة الدعم التي كانت تقدمها سلطات الانقلاب للحوثيين ضد السعودية سرا، والتي كانت قد حصلت عليها سلطات الانقلاب في مصر قبيل بدء الحرب، حين استضافت وفوداً يمنية تبحث عن التأييد. وقررت الرياض وقتها وقف ناقلاتها النفطية من العبور من خلال المضيق قبل أسبوع، بعد الحديث عن استهداف حوثي لناقلتي نفط سعوديتين. صمت الانقلاب على القرار السعودي وقال خبراء ومراقبون دوليون إن السعودية تسعى للضغط على أسواق النفط العالمية، أو دعم أصوات الصقور في الإدارة الأمريكية ضد إيران، أو حتى الضغط على دول الاتحاد الأوروبي وروسيا من أجل اتخاذ إجراءات أكثر حسماً لإنهاء الحرب في اليمن مرة واحدة وإلى الأبد. في حين أكدوا أن مصر تحت حكم العسكر لم تُعلّق بعدُ رغم أن القرار يمسها بشكل مباشر، رغم أن مضيق باب المندب هو ممر مائي استراتيجي يربط البحر الأحمر بخليج عدن وبحر العرب. ويقع المضيق على الحدود البحرية لكل من اليمن وإريتريا وجيبوتي، وتبلغ المسافة بين ضفتيه نحو 30 كيلومتراً من رأس منهالي في الساحل الأسيوي إلى رأس سيان على الساحل الإفريقي. ويُعتبر المضيق من أهم ممرات النقل والمعابر البحرية بين أوروبا والبحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي وشرقي إفريقيا. وتعززت أهمية باب المندب، الذي يقع ضمن إدارة محافظة تعز اليمنية، بعد افتتاح قناة السويس عام 1869. وازدادت أهميته بوصفه واحداً من أهم الممرات البحرية في العالم، مع ازدياد أهمية نفط الخليج العربي. ويُقدَّر عدد السفن وناقلات النفط العملاقة التي تمر فيه بالاتجاهين بأكثر من 21 ألف ناقلة بحرية سنوياً. ولأن المضيق يقع تحت سيطرة دول نامية، فقد تواترت محاولات القوى الكبرى للسيطرة على المضيق، كما أقامت عدة دول قواعد عسكرية بالقرب من المضيق. وتبقى أهمية «باب المندب» مرتبطة ببقاء قناة السويس أولاً ومضيق هرمز ثانياً مفتوحين للملاحة، أمام ناقلات النفط خاصة. وتهديد هذين الممرين أو قناة السويس وحدها يحوِّل السفن إلى طريق رأس الرجاء الصالح، لتكون قناة السويس هي الخاسر الأكبر. FILE PHOTO: A cargo ship is seen crossing through the New Suez Canal, Ismailia, Egypt, July 25, 2015. The first cargo ships passed through Egypt's New Suez Canal on Saturday in a test-run before it opens next month, state media reported, 11 months after the army began constructing the $8 billion canal alongside the existing 145-year-old SuezCanal. Mohab Mameesh, chairman of the Suez Canal Authority overseer of the project, told state television that this test-run had been a success and that more would follow. REUTERS/Stringer/File Photo خسارة مصرية فادحة وتمثل قناة السويس المصدر الثالث أو الرابع للدخل القومي المصري، بالتبادل مع النفط، وبعد تحويلات المصريين في الخارج وإيرادات السياحة، ومع غلق مضيق باب المندب ستخسر مصر 5 مليارات دولار على الأقل من عائدات القناة السنوية، وربما أدى ذلك على المدى الطويل إلى إيجاد ترتيبات لوجيستية للتجارة البحرية العالمية بعيداً عن المنطقة المضطربة، لا سيما بالنظر إلى الخشية السعودية من القدرات المتزايدة للحوثيين، وهو ما يعني أن المزيد من الدول والشركات الكبرى قد تتوقف عن استخدام ممر السويس الملاحي. وبذلك تكون مصر الخاسر الأكبر من تضرر قناة السويس، وليس السعودية، فمن ناحية، يعني إغلاق «باب المندب» غياب قرابة 3.8 مليون برميل من النفط والمنتجات النفطية المكررة والتي تمر يومياً عبر المضيق إلى أوروبا وآسيا والولايات المتحدة، وهي نسبة تتجاوز 6% من إجمالي تجارة النفط العالمية. هذا سيؤدي -بلا شك- إلى ازدياد سريع في أسعار النفط ما لم تجد الدول المصدِّرة للنفط حلاً بديلاً، وما إذا أرادت السعودية السيطرة على الأسعار. فبإمكان الرياض استخدام أنابيبها النفطية التي تربط بين منابع النفط في المنطقة الشرقية، وميناء ينبع على البحر الأحمر، وهو ما قد يقلل الحاجة بشكل كبير لاستخدام مضيق باب المندب، أو على الأقل سيكون لاستخدامه دور في التقليل من الأضرار المتوقعة من غلق المضيق، وسيسمح لجزء كبير من تجارة النفط باستمرار السريان عبر قناة السويس وخط أنابيب سوميد الذي يربط بين السويس والبحر المتوسط. مصر تدفع فاتورة مضاعفة إلا أن الخسارة الاكبر لمصر ستكون في ارتفاع فاتورة النفط التي سيدفعها المصريون لا الحكومة، وإذا كان المصريون لن يشعروا بالضرر المباشر من انخفاض إيرادات قناة السويس، فإنهم بالتأكيد سيكونون أمام معضلة حقيقية إذا زاد سعر النفط. فقد حددت الحكومة المصرية سعر النفط عند حد 67 دولاراً للبرميل في موازنة البلاد، ووصل سعر البرميل في الوقت الحالي إلى حدود 75 دولاراً. وبالبحث في الموازنة، وقيمة الدعم، فإن ارتفاع سعر النفط دولاراً واحداً يزيد الضغط على الخزانة العامة لمصر ب4 مليارات جنيه دفعة واحدة، أو ما يمثل نحو 0.08% من الناتج الإجمالي، وفقاً لتقديرات وزارة المالية. إرباك سوق النفط قد يكون هدفاً سعودياً عاماً؛ للإضرار بإيران وللدفع نحو مزيد من التصعيد للحسم في اليمن، لكن رصاصة الإرباك هذه ستصل إلى المصريين قبل أن تصل إلى الحوثيين في اليمن. واتجهت سلطات الانقلاب إلى رفع الدعم عن المحروقات؛ ولذلك فإن زيادة أسعار النفط ستعني على المدى المتوسط، وربما القصير، تحمُّل المواطن المصري أعباء إضافية مع المزيد من رفع الأسعار المتوقع من أجل التخفيف عن الموازنة، وهي الزيادة التي لن تُوجَّه لسوق المحروقات فحسب، ولكن أيضاً ستشمل السلع كافة تقريباً، التزاماً بخطط صندوق النقد الدولي. وبالرغم من أن السعودية مولت شراء مصر حاملتي طائرات هليكوبتر من طراز «ميسترال» الفرنسية، حيث كانت مصادر فرنسية قد أكدت أن السعودية ودول الخليج الأخرى ساعدت مصر بوقت سابق في الحصول على معدات عسكري فرنسية، شملت مقاتلات «رافال» التي وُقِّع عقدها في فبراير من عام 2015. وهو الوقت نفسه الذي تحدث فيه قادة الانقلاب بمصر عن تجهيزهم لحملة بحرية في حال أُغلقت المضايق، إلا أنه لم يتم أي رد فعل على التهيدات الحوثية والإيرانية حتى الآن.