في رحلة البحث عن رغيف العيش، وفي ظل مشكلات الغلابة التي تزيد يوما بعد يوم، وفي ظل حالة التيه التي يعيشها أغلب المصريين نظرا لضبابية المستقبل المنتظر، يجد بناة الفساد سبيلهم، لهدم حياة المصريين من أجل بناء قصورهم ومنتجعاتهم. هذا ما يخطط له نظام الانقلاب الذي حول من كفاح الغلابة وأرزاقهم سبيل للاستيلاء على ثرواتهم، وخداعهم مجددا تحت شعار جديد من شعارات خداع الشعوب، ويتضح هذا في ظل نظام الانقلاب من خلال بناء العاصمة الجديدة، التي يقوم نظام عبد الفتاح السيسي بإنفاق مليارات الجنيهات من أموال المصريين وثرواتهم على بنائها، تمهيدا لنقل الأأغنياء ورجال السلطة إليها، في حين يترك الغلابة لعشوائياتهم، التي يقوم بتقطيعها بالقطعة وبيعها بالمتر للحصول على نفقات مدينتهم العنصرية. تقول صحيفة "الجارديان البريطانية" : إنه حيثما تسير في الطرق السريعة المكتظة بالسيارات وسط القاهرة، سيلفت نظرك اللافتات العملاقة، التي تَعد بمنحك أسلوباً جديداً للحياة. تنتشر الإعلانات التي تتحدث عن تجمعاتٍ سكنية مُغلقة ببوابات، تحمل أسماء من قبيل "The Regent's Park" أو "Beta Greens" أو "Uptown"، وتَعِد المشترين بأن تحيطهم المساحات المفتوحة الخضراء من كلِّ اتجاه. بل إنَّ أحد الإعلانات المنصوبة على جانبي طريقٍ مركزي مزدحم وملوث يدعو الناظرين إلى "الاسترخاء والتنفس بعمق". بالنسبة لأولئك الذين يقطنون العاصمة المصرية، هم يعرفون مدى المشكلات التي تواجههم، الزحام المروري الخانق، ونقص المساحات الخضراء، والهواء الخانق، والضوضاء الشديدة. وكشفت الصحيفة أن هذه الوعود بالفرار من زحام القاهرة إلى حياةٍ جديدةٍ في محيطها على بعد 40 كم، هي مفصلةٌ على مقاس مَن يملكون ما يكفي من المال لسداد الثمن، ويتجلَّى ذلك في أوضح صورةٍ في اللافتات التي تعلن عن "Entrada"، المجمع السكني والتجاري في العاصمة الإدارية الجديدة في مصر، التي تمتد مساحتها على 700 كيلومتر مربع، بمساحةٍ تقارب مساحة سنغافورة، وصُمِّمَت لِتَسَع ما يصل إلى 5 ملايين شخص. وتُظهر خطة العاصمة الجديدة مساحةً واسعةً من الأبراج الشاسعة والمباني السكنية، وكذلك حي حكومي، وجميعها تتمركز حول "نهرٍ أخضر"، وهو توليفةٌ من المياه المفتوحة والمساحات الخضراء المزروعة، تبلغ مساحتها ضعف مساحة سنترال بارك في نيويورك. في حين تظل القاهرة مصدر العشوائية الواضحة في التخطيط العمراني والبنى التحتية، إلا أنها تظل المصدر الوحيد الذي ينهل منه نظام الانقلاب المال من خلال بيع أراضيها بالقطعة لتسديد ثمن بناء العاصمة الغدارية، وهو ما يحدث حاليا في إخلاء الغلابة من مثلث ماسبيرو وجزيرة الوراق وغيرها. وأشارت الصحيفة إلى بناء أكبر كنيسة في مصر، ومبنى جديد لمجلس الوزراء، وبحيرة مزخرفة راكدة ستقام في المستقبل، الفيلاتٍ فسيحة، ملحق بها حمامات سباحة ملتفة، والأراضي الطبيعية والمتنزهات الملحقة بالمشروع، التي تبلغ مساحتها 4 كيلومترات. ووضع سعرٌ قدره حوالي 70 ألف دولارٍ أميركي لشقةٍ من غرفتي نوم تُطل على "البحيرة"، وبها حدائق خاصة وغرفة للخادمة. في حين يظل فقراء القاهرة على أحوالهم ما بين جمع القمامة والعيش وسطها. العاصمة الجديدة تستنزف القديمة وكشفت الصحيفة أن العاصمة الجديدة ستستنزف موارد مصر الشحيحة بالفعل، فستضخ محطتا مياه ما يقدر ب200 ألف متر مكعب من الماء يومياً إليها، لتسحب المياه من المدن القريبة التابعة للقاهرة. وبمجرد اكتمال المشروع سيستهلك ما يقدر ب1.5 مليون متر مكعب من الماء يومياً. ولا توجد سوى ضماناتٍ معدودة على أنَّ ارتفاع ثمن العقارات السكنية سيسمح بوصول طبقاتٍ أخرى سوى الطبقة العليا من سكان القاهرة للسكن في العاصمة الجديدة، ويُعَدُّ المشروع عرضةً لخطر أن يصبح مشروعاً مربحاً لا يجد زبوناً، على نحوٍ يشبه "مدن الأشباح" في الصين. ويخصص خصمٌ مقداره 25% لموظفي الحكومة، غير أنَّ متوسط سعر المتر المربع يبلغ 8000-9000 جنيه مصري، وهو سعرٌ يفوق بكثير قدرة الموظف العادي في القطاع الحكومي المصري، الذي يتقاضى راتباً أسبوعياً لم يزد عام 2016 على 1154 جنيهاً مصرياً . ومن المقرر أن تُنقل معظم المباني الحكومية وكذلك المباني التي يشغلها عبدالفتاح السيسي إلى هناك، في يونيو عام 2019. وتشجع الحكومة السفارات الأجنبية على الانتقال إلى هناك، وتستدرج الشركات إلى هناك، من خلال إقامة حيٍّ كامل للشركات يتألف من 20 ناطحة سحاب، تشيدها شركاتٌ صينية. ولكن، ماذا سيحل بالعاصمة القديمة بمجرد أن تُثبت الجديدة أركانها؟ وماذا عن المباني الفارغة وسط العاصمة القديمة؟ تقول الصحيفة "إذا نجحت خطط الحكومة، فإنَّ هذا الانتقال سيخلّف وراءه شبكةً من المباني الفارغة، جميعها مملوكة لنفس الشركة التي تمتلك العاصمة الجديدة، ولا خطة في الوقت الراهن للتعامل مع تلك المباني. تُشكل العاصمة الجديدة بالنسبة للحكومة بدايةً جديدة، تدرّ عليها ثروةً من العاصمة القديمة". على سبيل المثال، تمتلك وزارة الإسكان مبنًى أو عدة مبانٍ في وسط القاهرة. تمنحهم الشركة مبنى جديداً في العاصمة الجديدة، مبنى ذكي ومتصل بالإنترنت ومُزود بمكيفات الهواء ومُواكب للعصر، وتأخذ منهم المبنى القديم. ولا يزال الغموض يحيط بمستقبل المباني الكثيرة التي تشكل البنية التحتية الكثيفة للدولة، التي يقع معظمها في عقاراتٍ ذات موقع متميز في وسط القاهرة. وتعمل حكومة الانقلاب على منح السفارات الأجنبية مزايا غير متوفرة في القاهرة القديمة، شوارع واسعة ومدينة ذكية". وتعني بالمدينة الذكية مدينةً آمنة، مزودةٌ بالكاميرات وأجهزة الاستشعار في كل مكان. وسيكون هناك مركز تحكم لتسيير أمور المدينة بأسرها". وتتردد السفارات الأجنبية في الانتقال، وتقول متحدثة باسم السفارة البريطانية في القاهرة، إنَّه في حين خصصت الحكومة مساحةً للسفارات، فإنَّ السفارة "تدرس الموقف" في الوقت الراهن. وكذلك ما زالت سفاراتٌ أخرى، تواصلت معها صحيفة الجارديان البريطانية مترددة بشأن هذا الأمر، غير أنَّها لم تكن مستعدةً للتعبير عن ترددها ومناقشته علناً.