30 يونيو لم ولن يكون نهاية التصعيد ضد الرئيس المنتخب الدكتور "محمد مرسى"؛ لأن الهدف ليس فقط إسقاط الرئيس والقضاء على التجربة الديمقراطية الوليدة، وإنما القضاء على المشروع الإسلامى، وتوصيل رسالة مباشرة للشعب المصرى والشعوب العربية والإسلامية أن تجربة الإسلاميين فشلت فى تحقيق النهضة، وتغيير الواقع السىء الذى نعيش فيه، ولا يعتقد أحد أن من يقوم بذلك هى فقط بعض القوى الثورية ولا الأحزاب الليبرالية والعلمانية فى الداخل، وإنما يخطط لذلك -أيضا- دول وأجهزة مخابرات عالمية، ترى أن حكم الإسلام السياسى للمنطقة العربية يضر بمصالحها ومصالح الكيان الصهيونى الحليف الإستراتيجى لها فى منطقة الشرق الأوسط، لذا لا يظن أحد أن الأمور ستنتهى بنهاية يونيو الجارى، بل سيتبع ذلك أزمات أخرى، وستتواصل تلك الأزمات حتى الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة، لضمان عدم نجاح الأحزاب والقوى الإسلامية فى أى انتخابات مقبلة. وبنظرة بسيطة على ما يحدث فى مصر منذ انتخاب د. محمد مرسى وحتى اليوم، نلحظ أنه ورغم وجود بعض الملاحظات على أداء الرئيس، إلا أنه يعمل فى ظل ظروف استثنائية غير مسبوقة، لا يمكن أن يتحملها بشر، ولو أن هناك أى رئيس آخر واجه هذه الأوضاع لما بقى فى سدة الحكم يوما واحد، ولعادت الأمور كما كانت أيام النظام السابق، بل أسوأ بكثير. والحقيقة أن التحدى ليس فقط من القوى الداخلية والخارجية التى لا تريد خيرا لهذا الوطن، وتبذل كل ما أوتيت من قوة وجهد ومال كى لا تنهض مصر، وإنما كذلك وبصراحة من بعض أبناء الشعب المصرى الشرفاء، الذين يكتفون بمتابعة الفضائيات المغرضة، ويلقون باللوم على الرئيس، ويطالبونه بفعل المستحيل -من وجهة نظرى- دون أن يكلف أحد نفسه عناء التفكير فى حجم التحديات، وحقيقة الدوافع والأهداف الكامنة خلف مطالب القوى المعارضة، خاصة أن البديل الذى يطالب به البعض ثمنه باهظ، ومن شأنه أن يسيل المزيد من الدماء، وهذا ما يرفضه الدكتور مرسى، الذى يصبر ويصبر حتى لا تراق قطرة دم واحدة فى عهده، وإن كان ذلك يحدث رغما عن الجميع، وبأيدى القوى الخبيثة التى تسعى لإسقاطه. ولكى تتضح الصورة بشكل جلى لا بد أن ننظر إليها من كافة جوانبها، فمن يقف إلى جوار الرئيس منذ توليه المسئولية، ولنكن صرحاء، هم المصريون البسطاء الذين عانوا الظلم والقهر طوال عقود طويلة ماضية، أما أصحاب المصالح والمنتفعين من النظام السابق فى غالبية مؤسسات الدولة العميقة، لا يرفضون الرئيس وحسب، وإنما يعملون على إسقاطه بكل الطرق، ويتمنون اليوم الذى يسقط فيه هو والمشروع الإسلامى؛ لأن وجوده يضر بمصالحهم، ولذلك فهم يتحدون كل القرارات التى من شأنها أن تسهم ولو قليلا فى أن يشعر المواطن بحدوث تغيير، ويكتفون بتوجيه السباب للنظام الجديد وتحميله مسئولية ما أصاب مؤسساتهم من ضعف وترد. وأعتقد أن جزءا كبيرا من الشعب عرف حجم التحدى مما رآه مؤخرا فى وزارة الثقافة المصرية، عندما عمد وزيرها الجديد إلى عمل بعض التغييرات الطفيفة، وأغلق حنفية الفساد التى كانت تنزف من دماء الشعب المصرى، وما أحدثه ذلك من ثورة لم نرَ لها مثيلا من قبل المثقفين والفنانين المنتفعين من النظام السابق، الذين يعتصمون فى الوزارة للأسبوع الثالث على التوالى، ويمنعون الوزير من القيام بمهام عمله. وذلك حتى تبقى هذه الدولة رهينة لإرادة دول وحكومات وأنظمة أخرى، ويبقى هذا الشعب يعانى الظلم والقهر والفساد والاستبداد. نعم، نحن نأخذ على الرئيس تباطئه فى بعض الأمور، ونريد منه أن يكون حاسما فى الكثير من القضايا التى يعانى منها الوطن، لكن الأمور أصعب مما نتخيل، ومصر تبدو مثل مريض السرطان الذى يحتاج إلى صبر وتحمل كى يتعافى، وقد رأينا خلال الفترة الماضية التى شهدت تهدئة للأوضاع، حدوث تغير ولو طفيف فى العديد من المجالات، فقد حدث تغير فى رغيف الخبز، وتم توفير أنابيب البوتاجاز، واقتربنا لأول مرة فى تاريخنا من الوصول لحد الاكتفاء الذاتى من القمح، وتمكنا -وهذا هو الأهم- من رفض شحنات القمح الفاسدة من الدخول حفاظا على أرواح وصحة الشعب المصرى، ونجحنا فى تطهير بعض المؤسسات من الفساد المتغلغل فى أوصالها، ولا يزال الطريق طويلا ولا تزال الجهود تبذل، وهذا ما يجب دعمه والوقوف خلفه، والصبر قليلا، لنرى مصرنا الجديدة فى ثوبها الجديد، ثم الحكم بعد ذلك على هذا النظام، فإذا كان قد أخطأ وعجز عن تلبية طموحات الشعب المصرى، فسيكون من السهل تغييره من خلال صناديق الاقتراع، وإذا أحسن نعيد اختياره لاستكمال مسيرة التغيير، أما الخروج عليه، وإثارة العنف والفوضى فى البلاد، فمن شأن ذلك أن يجعلنا ندخل فى نفق مظلم، قد لا نتمكن من الخروج منه أبدا.