أثارت قضية سيف الإسلام القذافى -نجل العقيد الراحل معمر القذافى- الجدل من جديد بين السلطات فى ليبيا وبين المحكمة الجنائية الدولية بلاهاى، التى أصدرت فى خطوة تصعيدية أمرا يطالب ليبيا بتسليم سيف الإسلام لمحاكمته فيما يتصل بجرائم ارتكبت فى أثناء الثورة التى أطاحت بوالده فى عام 2011. وجاء فى قرار المحكمة الذى أصدره قضاتها أن ليبيا ليست قادرة حتى الآن على تأمين نقل سيف الإسلام من مكان احتجازه فى حراسة مليشيا الزنتان إلى سلطة الدولة، مؤكدة أن السلطات الليبية لم تتمكن من الحصول على شهادات معينة أو ضمان حماية بعض الشهود بشكل صحيح، مضيفة أن الدولة الليبية ما زالت تواجه صعوبات كبيرة فى ممارسة سلطاتها القضائية التامة على كامل أراضيها، حسب كلامها. بدورها، ترفض السلطات الليبية حق المحكمة الجنائية فى محاكمة سيف الإسلام، استنادا إلى أن الولاية القضائية للمحكمة الدولية تنعدم ما دامت السلطات الليبية تعتزم اتخاذ إجراءاتها ضده، بموجب مبدأ عدم التدخل إلا إذا كان النظام القانونى المحلى غير قادر على القيام بالمهمة. وكانت السلطات الليبية أرسلت فى الأول من مايو 2012 طلبا شككت فيه بصلاحية المحكمة الجنائية الدولية لملاحقة نجل القذافى والرئيس السابق لجهاز الأمن الخارجى عبد الله السنوسى، وأعلنت المحكمة حينها أن ليبيا تستطيع الاحتفاظ بسيف الإسلام فى انتظار قرار فى شأنه. ويُتهم سيف الإسلام القذافى -الذى مثل مرارا أمام محكمة ليبية فى الزنتان، فى إطار محاكمته بتهمة "المساس بالأمن الوطنة"- بارتكاب جرائم ضد الإنسانية فى أثناء الثورة الليبية التى أطاحت بوالده، وسط استمرار الجدل بين المحكمة وطرابلس اللتين تتنازعان على حق محاكمته. حق ليبى وفى تعليقه على القرار، قال المستشار الإعلامى لحزب العدالة والبناء (إخوان مسلمون) د. محمد الحريزى: مدينة الزنتان هى جزء من الأراضى الليبية ومحاكمته هو حق أصيل للدولة الليبية؛ لأن سيف الإسلام ارتكب جرائم قبل وبعد الثورة، وقانون محكمة الجنايات يعطى الأولوية فى المحاكمة لليبيا. وأضاف الحريزى -فى تصريح ل"الحرية والعدالة"-: ومن ثم لا بد من استئناف هذا الحكم، مع العلم أن محاكمة سيف بدأت من فترة ولكنها تحتاج إلى وقت طويل؛ لأن المعلومات لا تزال تؤخذ من بعض المعتقلين، مثل عبد الله السنوسى مدير مخابرات القذافى، والبغدادى المحمودى رئيس الوزراء الأسبق. وعن إشكالية نقل سيف الإسلام إلى العاصمة طرابلس، قال عضو المجلس الانتقالى الليبى السابق أحمد الدايخ: ثمة تخوفات من جانب أهالى الزنتان من نقل سيف إلى طرابلس بحجة أن العاصمة غير آمنة، خاصة بعد حادثة تهريب بعض رموز النظام السابق من طرابلس وأشهرهم بشير صالح مدير مكتب القذافى، يضاف إلى ذلك رغبتهم فى الحصول على شرف القبض عليه ومحاكمته فى منطقتهم "الزنتان"، التى تبعد 180 كلم جنوب غرب العاصمة طرابلس. وأضاف الدايخ -فى تصريح ل"الحرية والعدالة"-: وخلال فترة المجلس الانتقالى كنت على رأس وفد زار الزنتان للتفاوض معهم لنقل سيف القذافى إلى طرابلس، وقد جلست قبل زيارتهم مع مدعى محكمة لاهاى أوكامبو وعرضت الكثير عليهم فى توفير حراسة ممتازة إذا تم نقل سيف إلى طرابلس، باشتراك كتيبة من الزنتان ولكنهم لم يرضوا بأى عرض قدم لهم. التحرك القانونى فى حين، علق الناشط السياسى الليبى حسين المسلاتى، على قرار المحكمة بقوله: هذا مؤشر يلقى بظلاله الواضحة على ضعف الدولة الليبية وغياب المقدرة على التحرك القانونى والقضائى بما يقنع العالم. وأضاف المسلاتى: أرى أن الاختراقات الكبيرة التى تقوم بها المجموعات المسلحة أسهم فى هذا الضعف الذى ظهرت ملامحه على العالم، كما أن تمسك مناطق معينة بمحاكمة عدد من رموز النظام السابق فى أراضيها أسهم فى إقناع العالم بعدم قدرة الدولة على فرض سيطرتها على جميع الأراضى، وعلى الدولة الليبية تصحيح كل هذه الأخطاء والخلل والضعف قبل الطعن فى القرار. وطالب الحكومة الليبية بالتعامل بجدية واحترافية مع قرار المحكمة، خاصة أن العالم لن يتساهل مع هذا الأمر، خاصة بعدما أصدرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية تقريرا دعت فيه ليبيا إلى الالتزام بقرار المحكمة الجنائية الدولية وتسليم سيف الإسلام للمحكمة.