* كيف تأثرت الأغنيات بعصر الانفتاح؟.. وكيف تطورت الجمل الموسيقية مع تطور التكنولوجيا؟ * الكل يتبرأ من مطربى "التوك توك" ويعتبرون أغنياتهم "تحت الشعبى" يبدأ الفيلم بصوت مذيعى إحدى الإذاعات الشبابية "مش عايزين نتكلم كتير عايزين شوية فن وشهيصة" وبعدها يستعرض المخرج سريعا جملا من عدة أغنيات شعبية لمطربين مختلفين، ويبدأ الفيلم فى استعراض مفهوم الناس عن الأغنية الشعبية، فمنهم من يراها نبض الشارع ونبض الحارة المصرية، وتعكس مواجع الناس، سميت بالأغنيات الشعبية لأنها تخرج من الشعب.. من الحوارى والشوارع، هى أصل الموسيقى فى مصر تماما كما هو الحال فى الولاياتالمتحدةالأمريكية التى تعتبر موسيقى ال countryهى الموسيقية الشعبية فيها والتى يحن لها الشعب وتعلق بذاكرته مهما راجت أغانى الراب والهيب هوب. البعض الآخر يرى أن الأغنية الشعبية الحقيقية كانت أيام محمد رشدى ومحمد العزبى وأحمد عدوية، الذى أضاف لها خفة الدم المصرية، ويعتبر البعض الآخر عدوية بداية تغيير نمط الأغنية الشعبية فى مصر لأنه ظهر فى عصر الانفتاح وأتاحت الظروف الاجتماعية له ذلك؛ لأن المصريين بعد انتصار 1973 كانوا يبحثون عن الكلمة التى تسعدهم واللحن الذى يفرحهم فتقبلوا اللون الغنائى الذى قدمه. الغناء والرأسمالية ويؤرخ الكاتب الصحفى عبد الرحمن مصطفى لهذه الفترة قائلا: نتيجة لتحول مصر من الاشتراكية للرأسمالية ظهرت طبقة جديدة فى المجتمع صاحبتها موجة غنائية شعبية جديدة؛ وهو ما أكده المؤلف إسلام خليل حينما قال: قبل الانفتاح كان الأثرياء فى مصر من المثقفين فقط فكانت تلائمهم أغنيات تنتمى لشريحتهم الاجتماعية لكن الانفتاح أدخل شريحة البسطاء من غير المثقفين إلى دنيا الأثرياء فكان لا بد من لون غنائى شعبى جديد يعبر عنهم. توقف الفيلم كثيرا أمام أحمد عدوية الذى أجمع ضيوف الفيلم على أنه مثل تحولا حقيقيا فى مسار الغناء الشعبى حينما قدم الموال الذى يفتقده المصريون بخفة دمه المعهودة وكأنه يحاكى المصريين؛ أما المطرب الشعبى طارق الشيخ فأرجع نجاح عدوية لذكائه الشديد فى اختيار الكلمات وقدرة صوته العريض على تقديم أى لحن، بينما يرى عبد الباسط حمودة أنه تشبع من الغناء الشعبى الذى قدمه كل المطربين الشعبيين فى مصر ثم جاء ليقدم هذا الغناء على طريقته الخاصة فأصبح صاحب مدرسة فى الغناء الشعبى فى مصر حتى بعدما بلغ عمره 68 عاما لمعت أغنيته "الناس الرايقة" التى قدمها مع رامى عياش. ومع بداية حقبة الثمانينيات اختلفت الظروف النفسية والاجتماعية للمصريين من لذة النصر لمرارة غلاء الأسعار والبطالة والظروف الاقتصادية الطاحنة فبدأت الأغنية الشعبية تتجه للون الدرامى فبدأ ينحصر عدوية لصالح لون غنائى جديد قدمه حسن الأسمر، وكان من أوائل وأشهر أغنياته "كتاب حياتى يا عين"، وبدأ المخرج يستعرض مانشيتات الصحف -فى ذلك الوقت- والتى رصدت كيف كان الصراع الفنى على أشده بين عدوية والأسمر "حسن الأسمر لم يهاجم عدوية ويعيش فى جو أسرى جميل"، "حسن الأسمر عندليب الأغنية الشعبية"، ليصبح الأسمر الخط الفاصل بين زمن عدوية وزمن حكيم. لون شعبى بموسيقى حديثة ظهر "حكيم" فى فترة كان يتربع فيها حميد الشاعرى على عرش التوزيع الغنائى فى مصر فتعاون معه لتقديم لون غنائى شعبى بموسيقى حديثة جعلته يتأرجح بين منطقتى الغناء الشعبى والشبابى لكنه لاقى رواجا كبيرا، ونجح حكيم فى تسويق نفسه عالميا حينما كان أول مطرب شعبى يغنى للسلام بكل لغات العالم. يعود المخرج للكاتب الصحفى عبد الرحمن مصطفى الذى رصد منذ بداية الألفية الثالثة صعود نجم شعبان عبد الرحيم رغم أنه بدأ الغناء منذ الثمانينيات لكن "أنا بكره إسرائيل" كانت هى الفارقة فى شعور الجمهور بوجوده، يرى مصطفى أن شعبان فشل فى تسويق نفسه مطربا شعبيا لكنه نجح فى استغلال حالة الغليان التى عاشها المصريون حينما اقتحمت القوات الإسرائيلية ساحات المسجد الأقصى واندلعت الانتفاضة الفلسطينية، ليستمع المصريون لأول مرة لخليط بين السياسة والفن الشعبى. بعدها ظهر جيل جديد من المطربين الشعبيين حول حديث البسطاء فى الشوارع لأغنيات وألحان كما فعل عبد الباسط حمودة فى أغنيته "قولى لى يا مرايتى" التى رصد الفيلم كيف لاقت رواجا فى الأحياء الراقية كجاردن سيتى والزمالك قبل الأحياء الشعبية؛ خاصة أن تلك الأغنيات ظهرت مع بداية استخدام الإنترنت فى تبادل الأغنيات المختلفة وسماعها على نطاق واسع لدرجة جعلت الطبقات الراقية تتهافت على مطربى الغناء الشعبى لإحياء حفلاتهم وأفراحهم. ومع النجاح الكبير لأغنية "المحكمة" أصبح هناك مفهوم جديد للأغنية الشعبية وهو تلك الدقائق التى تقدم نفس الحكايات التى تعرضها الأفلام على مدار ساعات، وهى ما اصطلح النقاد على تسميتها ب"الأغانى الواعظة" التى تفيق الناس من زحمة الحياة على قيم إنسانية تختفى من مجتمعنا ومن أبرزها "العبد والشيطان" و"يوم القيامة". الموزع الموسيقى أشرف محروس -أحد ضيوف الفيلم- لا يرى ضرورة فى أن يكون موزع الأغنيات الشعبية دارسا بقدر ما هو من الضرورى أن يكون ملما بما يشعر به الناس. فصَل صناع الفيلم بين الأغنيات الشعبية الحقيقية التى قدموها، وبين تلك الكلمات البذيئة والألحان المنفرة التى تقدم أغنيات خليعة أطلقوا عليها "أغانى تحت الشعبى"، واتفقوا على أن أغنيات الإفيهات الشعبية كما تلمع اسم المطرب تحرقه فى دقيقة إذا ما أساء استخدامها وصنفوا الجمهور الذى يستمتع بأغنيات "تحت شعبى" بأنه جمهور المراهقين من سن 13 وحتى 16 سنة ويتركز فى العشوائيات التى تفتقد لأشياء كثيرة من الثقافة والحس الفنى. تطرق الفيلم أيضا إلى ظاهرة إعادة تلحين أغنيات عمالقة الغناء كعبد الحليم حافظ وتقديمها فى قالب شعبى بحجة أن الجمهور بحاجة "للفرفشة" وهو ما اعترض عليه بشدة الموزع الموسيقى تامر صقر حينما قال: لا يليق فنيا أبدا تقديم أغنية ك"قارئة الفنجان "أو"أكدب عليك" على طريقة "إييييييييه وأووووو". مطربو التوك توك ورصد الفيلم كيف تحول التوك توك من وسيلة مواصلات لوسيلة إذاعية تبث أحط الأغنيات؛ يخرج من أجلها مطربو "التكاتك" ليقدموا أغنيات ركيكة معتمدين فقط على هذه الفئة فى الانتشار، بينما يرى الكاتب الصحفى عبد الرحمن مصطفى أن مطربى التوك توك خرجوا من بيئة معينة ولا يسعون إلا لمخاطبة تلك البيئة بأغانيهم فلا تنتظروا منهم فنا شعبيا حقيقيا على الإطلاق فإضحاك الناس ليس بالضرورة أن يكون من خلال الابتذال والكلمة الرخيصة الذى أوصل الأغنية الشعبية لحالة يرثى لها بعد تاريخها الفنى الطويل فى مصر. الفيلم بحث: على عبد المنعم وأسامة الرشيدى، إعداد: أحمد دسوقى، ومن إخراج إياد صالح.