يعيش العبد عبدا وتأبى عليه نفسه المريضة أن يتحرر، يتلذذ البعض بعبوديته لغيره، وبعض العبيد فى زماننا يتمنون لو أن سيدهم لم يوضع فى القفص، ولو كان فى حبسه حريتهم. يا لها من مذلة وإهانة حين تسمع البعض يتحدث عن سيده، ويتمنى أن يخرج من سجنه ولو كان الثمن استمرار عبوديته، أرجوك لا تفهم الأمر على أنه وفاء لسيده ولكنه الحنين إلى العبودية والاسترقاق. النفوس الوضيعة لا يمكنها أن تتحرر من عبوديتها، فالحرية تتطلب نفوسا راقية وهمما عالية وقلوبا تخفق وتهتف بالحرية، وتتطلع إلى الكرامة ومستعدة لدفع الثمن غاليا ولا ترى نفسها فى مقام العبودية ولو كانت مضطرة. لكن عبيد مبارك لا يريدون التحرر، وأنى لهم التحرر وقد أدمنوا الذلة وتجرعوا المهانة كأسا وراء كأس، وطعموا خبز الرق لقمة وراء لقمة، حتى نسوا أن الله خلقهم أحرارا. هؤلاء العبيد سيظلون عبيدا وإن حررتهم الثورة فهم لا يعترفون بالثورة ولا بحريتهم بل يتوقون لزمن الرقيق حين كانت تأمرهم وتنهاهم الست وهى بعيدة عنهم، ويستجيبون لإشارات الابن وهو خلف القضبان. عبيد الثورة يخشون على أنفسهم من فيروس الحرية فقد اعتادوا أن يفكر غيرهم نيابة عنهم، وأن يقرر الطاغية لهم ما يأكلون وما يشربون، وهل شربوا سوى الركوع والخنوع والخضوع؟ الذين اعتادوا على تلقى الأوامر.. كيف لهم أن يقرروا، إنهم يخشون حتى من التفكير بحرية، والكلام بحرية، والتعبير عن أنفسهم لأنها نفوس ذابت تحت أقدام سيدهم، حتى أن أحدهم لم يعد قادرا على رفع رأسه أمام مولاه وولى نعمته، وبدا منحنيا على الرغم من أنه غير مصاب فى عموده الفقرى بل فى عقله وقلبه ونفسه. العبيد لا تنفع معهم الحوارات، ولا تجدى نفعا معهم النقاشات، بل تجدى معهم العصا، والعصا وحدها هى وسيلة التعامل معهم، وكما قال المتنبى فيهم وهو صادق: لا تشتَرِ العَبد إلا والعَصَا معه *** إِن العَبِيدَ لأنجاسٌ مَناكيد العبيد أنجاس لا تقترب منهم ولا تختلط بهم ولا تعاشرهم ولا تعايشهم، فليس من ورائهم إلا النكد وغصة النفس، لأنك إن حاولت تحريرهم من رقهم، هتفوا فى العالمين بل عبيد إلى آخر مدى.. هؤلاء العبيد هم من يخرجون اليوم علينا عند كل واقعة وفى كل موقف، يجهرون بالسوء وينادون بعودة العبودية، ما كنت أحسبنى أعيش حتى أراهم ولكنى رأيتهم. ما كُنتُ أَحسَبُنى أَحيا إلى زَمَنٍ *** يُسىء بى فيهِ عَبد وَهْوَ مَحمودُ