فى احتفالية غنائية مبهجة احتضن بيت السنارى بالسيدة زينب مؤخرًا حفل توقيع كتاب "التاريخ والموسيقى" لكل من الدكتور محمد عفيفى والدكتورة نهلة مطر، والذى يرصد العلاقة بين الموسيقى باعتبارها فنا وكتابة التاريخ والقضايا الاجتماعية والثقافية المتعلقة بأثر الموسيقى فى المجتمع المصرى. وتخلل الحفل عرض لفرقة السمسمية وفرقة حسب الله، وكان اختيار هذا المكان التاريخى موفقا للغاية ومتناغمًا مع موضوع الكتاب. واتفق المؤلفون عفيفى ومطر على أن كتاب "التاريخ والموسيقى" يمثل رؤية غير تاريخية وغير متخصصة للعلاقة بين التاريخ والموسيقى. وقال الدكتور محمد عفيفى -أستاذ التاريخ بكلية الآداب جامعة القاهرة-: "إن الكتاب دراسة تنطلق من مدخل التاريخ الاجتماعى للموسيقى فى مصر، فهى لا تعنى بدراسة الموسيقى وتقنياتها وتطورها، ولكن تهتم بدراسة الوسط الاجتماعى الذى تتعايش معه، وإبراز أهمية القضايا الاجتماعية والثقافية المتعلقة بأثر الموسيقى فى المجتمع المصرى. توافق موسيقى تاريخى وأضاف عفيفى: "فى البداية كان الموضوع صعبا جدا، وشهدت اللقاءات بين المؤرخين والموسيقيين جدلا كبيرا نظرا لطبيعة عمل كل منهم، فالموسيقيون لهم عملهم الخاص الذى كان بعيدا عن عمل المؤرخين الذين يتعاملون مع الوثائق"، مشيرًا إلى أنه التقت مجموعة من الباحثين فى مجالى التاريخ والموسيقى لمحاولة الإجابة عن سؤال: "الشرق والغرب.. توافق أم تنافر؟". وتوضح ياسمين فراج فى بحثها بالكتاب أنه بعد رحيل الحملة الفرنسية عن مصر بدأ تكوين مصر الحديثة، وظهرت حالات الإقدام على التناول الغربى للموسيقى وانتشرت أنواع كثيرة من الموسيقى المحلية عاكسة معها التكوين الطبقى آنذاك. بينما يلقى بحث الدكتور ماجد عزت الضوء على إحياء اللغة القبطية فى مطلع القرن العشرين، ويتحدث سيد محمود عن أحمد عدوية باعتباره ظاهرة من ناحية التاريخ الاجتماعى للموسيقى، ويقدم أحمد الحناوى دراسة عملية مع من تبقى من فرقة حسب الله التى ترجع جذورها إلى عهد محمد على. وعن الذاكرة الموسيقية الخاصة بسويسرا، يكشف لنا الخبير السويسرى شيل كيللر عن معلومات تخص الموسيقى الشعبية السويسرية، بداية من ميلادها ومحاولة إحيائها ووضعها الحالى. ويأتى هذا الكتاب كنتاج لجهود المؤسسة الثقافية السويسرية "بروهلفتسيا" فى أن تخلق تعاونًا بين دارسى التاريخ ودارسى الموسيقى، باعتبار أن المجالين من مجالات النشاط الفكرى الإنسانى، وقد انطلق فريق البحث المشترك من مفهوم أساسى مؤداه أن الموسيقى لغة الشعوب، وأن التاريخ قصة هذه الشعوب فى الكون، وأن الفن متاح للجميع ولا يقتصر على دارسيه أو المتخصصين فيه فقط. أثمر هذا التعاون الذى استمر نحو سنتين عن كتاب يحمل تصورات أهل التاريخ وأهل الموسيقى، وأفكار الفريقين فيما يمكن تسميته "التاريخ الاجتماعى للموسيقى"، وعلى الرغم من التنوع الكبير فى موضوعات الكتاب، فإن هناك رابطة قوية بين الموضوعات هى المبرر العلمى لإنجاز هذا الكتاب، وقد قامت نخبة من الباحثين فى التاريخ وفى الموسيقى بتحرير المقالات التى يضمها الكتاب، بوصفه السابقة الأولى فى ميدان جديد. السلام الوطنى ومن أبرز الموضوعات التى طرحها الكتاب "الذاكرة الموسيقية الشعبية للسلام الوطنى"، فأغنيات وأناشيد السلام الوطنى تطورت مع تطور الأحداث السياسية فى مصر، فمع انتهاء الحرب العالمية الأولى بدأت القوى الوطنية المصرية فى المطالبة بالاستقلال التام، واشتعلت ثورة 1919 بأعلام تعانق فيها الصليب مع الهلال، والتى انتهت باتفاقية بين مصر وبريطانيا نالت فيها مصر استقلالًا منقوصًا ووضع دستور 1923 وتغير العلم المصرى. وتم تشكيل لجنة لاختيار نشيد وسلام وطنى مصرى، وانتهت هذه اللجنة لاختيار نشيد من كلمات أحمد شوقى وألحان إسكندر أفندى، وكان مطلعها "بنى مصر مكانكم تهيا، فهيا مهدوا للملك هيا" إلا أن الأديب مصطفى صادق الرافعى استخدم كافة وسائل الضغط لإقرار قصيدته ومطلعها: "إلى العلا إلى العلا بنى الوطن، إلى العلا كل فتاة وفتى، إلى العلا فى كل جيل وزمن، فلن يموت مجدنا كلا ولن"، ولما رفضت أنشودته لأسباب فنية قام بوضع نشيد جديد عرفته مصر كلها بعدما قام بتلحينه صقر على ووزعه موسيقيا يحيى الليثى، وتقول كلماته: "اسلمى يا مصر إننى الفدا.. ذى يدى إن مدت الدنيا يدا". عرف هذا النشيد بمارش سعد باشا؛ لأنه دائما ما كان يستخدمه فى التعبير عن إرادة المصريين، فتم تشكيل لجنة أخرى لجعل هذا المارش نشيد مصر الوطنى ودفع اعتماده ونوتته الموسيقية للعزف فى أنحاء البلاد، معددين مزاياه الموسيقية وحماسته العالية، لدرجة دفعت جريدة إنجليزية لانتقاد النشيد الوطنى المصرى بحجة أنه يدعو للحرب ضد بريطانيا ! السلام الملكى مع صعود الملك فاروق للعرش، تم الرجوع للسلام الملكى القديم فى كافة المحافل الرسمية، ولكن الجيش المصرى احتفظ بنشيد "اسلمى يا مصر" وهو مؤشر تاريخى مهم، على أن الجيش لم يقتنع بتمجيد الملك من خلال السلام الملكى والدفعات العسكرية التى ظلت محافظة على النشيد الوطنى هى ذاتها التى تحركت ضد الملك فى ثورة يوليو 1952 التى اعتمد بعدها نشيدا وطنيا جديدا يقول: "أقسمت باسمك يا بلادى فاشهدى، أقسمت أن أحمى حماكى وأفتدى، سأفى بعهدك بالفؤاد وباليد، وبنور حبك أستضىء وأهتدى". ومع إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية عام 1953 تغير العلم المصرى، واستقر الأمر على نشيد "الحرية" ليكون نشيدا وطنيا وسلاما جمهوريا للجمهورية الجديدة، وهو من كلمات الشاعر كامل الشناوى وألحان محمد عبد الوهاب ويقول مطلعه: "كنت فى صمتك مرغم، كنت فى حبك مكره، فتكلم وتألم، وتعلم كيف تكره، عرضك الغالى على الظالم هان، ومضى العار إليه وإليك".