تقابلك فى حياتك مواقف عديدة.. تتقلب فيها ردود أفعالك بين اللين والعنف والحزم.. ويبقى القائد المتميز هو الذى يتعامل مع كل موقف برد الفعل الذى يناسبه. والحق أننا اعتدنا العنف فى ردود أفعالنا؛ فالعنف أسهل كثيرا وينفّس عما بداخلنا من الغضب.. أو كما يبدو لنا من أول وهلة.. لكن النتائج تأتى بما لا نشتهى.. قد نفقد الموقف برمته ونبقى عاجزين لا حول لنا ولا قوة ونحن نرى أحبابا من حولنا يتساقطون ومواقف نخسرها.. واللين فى موضعه رحمة وبركة ولا يكون فى شىء إلا زانه.. أما اللين فى موقف لا يستحق لينا فأسميه انصياعا.. وهو الخوف الذى نما بداخلنا من مناخ قديم بائد خرب فى تعليمنا وإعلامنا بل وبيوتنا.. وهو الذى أنشأ بيننا كلمات مثل "امشى جنب الحيط" و"الحيطان ليها ودان" و"امشى سنة ولا تعدى قنا". أما ما أحب أن نتقنه جميعا ونتدرب عليه ونعلم متى وكيف يكون، فهو "الحزم"، وهو النقطة الوسط بين العنف والانصياع.. مقياس مهم له درجاته.. ودوما اسأل نفسك هل ذهب هذا الموقف ناحية الانصياع أم العنف.. واسأل نفسك ثانية.. هل كان هناك أسلوب أفضل نصل به إلى النقطة الوسط كان يمكن أن يحدث؟ والحزم معناه أن تقف لقيمك دون تعنيف للآخرين.. هو أن تعبر عن احتياجاتك وآرائك ومعتقداتك بشكل واضح وصريح.. بل تعبر عن مشاعرك بطريقة مباشرة، مخلصة وناضجة.. دون التواء وتصنع.. وهذا ما يفرقه عن العنف الذى يعبر عما بداخلك بشكل يهدر من كرامة مَن أمامك ويهدد قيمه ومعتقداته الصالحة، بل يتسبب فى تجاهل الآخر وإقصائه.. أو يفرقه عن الانصياع الذى يضيع معه حقك فى محاولة بائسة لإرضاء الناس على حساب قيمك ومعتقداتك.. أما إذا كنت مسئولا، فالحزم ساعتها هو التطبيق الأصح تطبيقا هادئا.. بقلب ثابت.. وابتسامة على الوجه.. ولننتهج فى البداية منهجا للإقناع والمشاركة.. فإذا لم يستجب مَن أمامك.. فلا بد ساعتها من الحزم.. وإياك أن تنساق إلى المحاولات العديدة التى ستجرك إلى العنف وتستفزك إلى ما لا تريد أن تكون. الأمر يسبقه -ولا شك- دراسة متأنية واستشارة، ذلك لأن الرجوع عما اتخذته من قرار سيعد انصياعا.. وساعتها نفقد ما حققه الحزم من قيمة.. ولا أعنى بذلك ألا نرجع إلى الحق إذا اكتشفنا أننا لسنا على صواب.. بل الرجوع إلى الحق فضيلة يتسم بها العظماء من القادة.. لكن الدراسة المتأنية تكفينا، بالذات إذا اخترنا الحزم طريقا للعلاج. والحازم بوجهة نظر التنمية البشرية يتحدث بانفتاح وثقة وهدوء، لا تبدو عليه علامات للتردد أو الخوف.. كلماته تناسب الموقف، وتناسب الحديث الفردى والجماعى.. وهو أيضا لا يجرح أحدا بحديثه.. ولا يؤذى من أمامه بتسفيه أو غمز ولمز وإيماءات، بل يصل إلى هدفه وصفحته ناصعة البياض لا تنتهك من أحد.. أتمنى أن نتعلم يا شباب معنى القائد الحازم ونتدرب على القيادة بالموقف.. فمن تلك العلامات يُعرف القائد الحق.. وابدأ بسؤال عن نفسك.. وجهه لمن حولك: هل أنت حازم ؟ منصاع؟ أم عنيف؟