فى عصر الأبواب المفتوحة والحرية الكاملة للتعبير والرأى، ورغم الدعوة للشفافية فى كل ما يتعلق بالأمور العامة، نجد بعض الكتاب والمثقفين يستغلون هذه الحرية للإساءة إلى روح الإسلام وسماحته، وإلى الحرية ذاتها، وإلى حسن الخلق الذى علمنا إياه الرسول -صلى الله عليه وسلم- عندما قال: "الدين حسن الخلق"، وقال: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". ومن المؤسف ما طالعتنا به صحيفة "الحرية والعدالة" فى عددها الصادر يوم الخميس الموافق 7/2/2013 على لسان الكاتب. محمد جمال عرفة، بمقالٍ له بعنوان: "جليطة الأزهر والكنيسة"، حيث جاء فى مقاله: "استغربت مما فعله الأزهر مع الرئيس الإيرانى أحمدى نجاد من إهانة علنية له أمام وسائل الإعلام، وهو فى ضيافته، بدلا من ممارسة دوره فى توحيد السُّنة والشيعة، كما فعل شيوخ الأزهر السابقون".. "هناك فارق بين الصراحة فى الغرف المغلقة وإكرام الضيف الإيرانى، وبين إهانته أمام عدسات الكاميرات، كما حدث فى المؤتمر الصحفى الذى أعقب لقاءه مع شيخ الأزهر". وأرى أن الكاتب لم يحسن التعبير؛ بل أساء للأزهر وإمامه الأكبر، ونهيب به وبجريدته العودة إلى الحق البيِّن الذى أشاد به من فى الداخل والخارج وجميع التيارات المعتدلة فى العالم الإسلامى. فبينما يظهر علينا الأزهر الشريف بوجهه الذى طالما انتظرنا إشراقته فى الآفاق ليعود يمارس أدواره بكرامة وعزة وفاعلية ووضوح، يريد البعض أن يعيد مصر والأزهر إلى زمن الغرف المغلقة والقهر والغموض. لقد زار الرئيس الإيرانى أحمدى نجاد الأزهر، واستقبلته المؤسسة العريقة، وفتحت له أبوابها، وأوضح الأزهر -باعتباره أكبر مرجعية سُنية لمسلمى العالم- نقاط الاختلاف بينه وبين إيران -باعتبارها على رأس المذهب الشيعى فى العالم- وما يأمله الأزهر منها، وبيَّن فضيلة الدكتور حسن الشافعى -كبير مستشارى شيخ الأزهر- للجميع ما دار بين شيخ الأزهر والرئيس الإيرانى فى الاجتماع الخاص بينهما بوضوح وشفافية. ومن المعلوم أن فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب يقتدى بأسلافه من شيوخ الأزهر وعلماء المسلمين ذوى الكرامة والعزة؛ فلم ينزل إلى رئيس أو أمير، بل انتظر فى مكتبه حتى أتاه الرئيس الإيرانى، وهو فى هذا ليس مختلفا عما أقرّه علماء الأزهر منذ إنشائه وحتى الآن. إن الأزهر هو أول من علَّم الدنيا كيف تكرم الضيف، ألم يستقبل وفود العالم من شتى بقاع المعمورة ينهلون من العلم والمعرفة، فأحسن استقبالهم، وأكرم ضيافتهم، وهيأ لهم سبل المعيشة المناسبة، والمنح الدراسية لطلابه التى يتحمل الأزهر تكلفتها، ولكن أراد بصراحته ووضوحه أن يعلى رسالته التى قطعها على نفسه فى الحفاظ على مذهب أهل السنة والجماعة. يشهد تاريخ الأزهر على حرصه الدائم على مد جسور التفاهم والتقارب أملا فى الوصول إلى الوحدة، ولكنه يحرص أيضا على تجاوز العقبات التى تقف فى سبيل حصول ذلك، فلا يمكن التغاضى عن سبّ صحابة النبى -صلى الله عليه وسلم- والنيل من أمهات المؤمنين، ودعم وتأليب الأنظمة المستبدة على شعوبها، فصراحة الأزهر فى عرض المشكلات إنما هى إيجابية للعمل على تجاوز تلك المشكلات. ولا أدرى لماذا يعترض الكاتب؟ هل على صراحة الأزهر؟ أم على تناوله هذه المشكلات ليجد لها حلا؟! وقد اتهم الكاتب فى موضع آخر من مقاله الأزهر وشيخه بالصمت على حوادث الاعتقال والتعذيب، حيث قال: "كان الأزهر صامتا قبل هذا، وهو يرى جرائم التعذيب والقتل التى قام بها النظام السابق.. لماذا لم نسمع النقد نفسه من الأزهر لدول الخليج حول المصريين المعتقلين فى الإمارات وغيرها، وبعضهم يعانى من عمليات تعذيب؟!" وأقول للكاتب: إن موقف الأزهر الشريف واضح ومعلن بشأن إدانة سياسات الاعتقال والتعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان، سواء ما كان منها فى الداخل أو الخارج؛ فلم يقف الأزهر صامتا يوما ما، ولعل الوثائق الخمس التى دعا فضيلة الإمام الأكبر وأهَّلها للظهور، والتفت حولها كل الأحزاب والأطياف كانت سببا فى دفع كثير من المظالم والكوارث التى لو صمت الأزهر تجاهها لهضمت كثير من الحقوق الإنسانية.