فى أساطير قريتنا كان الناس يتحاكون عن النداهة، وهى امرأة شريرة تمر على النساء أو الرجال فى وقت متأخر من الليل وتنادى الواحد منهم باسمه، فيخرج لها وتذهب به إلى مكان مجهول، حيث تقوم بإيذائه أو تطلب منه أن يقضى لها أى أمر شرير تضر من خلاله أناسا آخرين، وثبت لنا بعد ذلك أن كل هذه خرافات لا أصل لها. لكننا فوجئنا بالنداهة فى الأسبوع الماضى تطل علينا عبر إحدى الفضائيات الخاصة ومعها قارئ الفنجان، هذا الذى بلغ من العمر عتيا فهو فى عقده الثامن، لا يكف عن الافتراءات والتضليل الذى يمارسه طوال حياته من خلق قصص وأكاذيب يمزج فيها بين الحق والباطل، فهو يذكر بعض الحقائق الممزوجة ببعض الافتراءات والادعاءات، لتجميل الحديث وادعاء دور البطولة وأنه قابل السياسى فلان، وقابل الملك فلان، واتصل بالمناضل فلان، عادة قديمة يمارسها منذ عهد الزعيم الخالد؛ حيث ظل يخدعه ويخدعه حتى أوقعه فى أخطاء فادحة أودت به والوطن معه إلى المهالك، وأراد سيادته -فأطاح به هذا- أن يمارس هذه الهواية مع خلف الزعيم، ولكن الرجل كان داهية فى السياسة فأطاح به وأعرض عنه، ولم يكن لهذا الدجال دور يذكر فى العهد البائد لأن مبارك كان يعرف ألاعيبه جيدا. فوجئنا بسيادة المنظِّر يطل عبر الفضائيات الخاصة، وفى حديثه الأخير مع النداهة التى استقدمته لكى يمارس هوايته فى التضليل، وتمارس هى أيضا هوايتها فى بث الشرور، إذا به يحلل ويدعى ويفترى، ومن ضمن افتراءاته يقول:- إن الرئيس مرسى استهوته السلطة دون المسئولية؟ مرسى الرجل الذى يبكى عندما يسمع آيات القرآن، وتذرف عيناه بالدموع خشية ورهبة من المسئولية الملقاة على عاتقه، مرسى الذى لم ينتصر لنفسه يوما رغم حملات التطاول والبذاءة التى تطاله من أراذل الإعلام والصحافة، ورغم ذلك لم يخرج عن حلمه يوما يقال عنه هذا الكلام؟ الرجل الذى قال فى بداية أحاديثه: أنا أعلم أن علىّ واجبات، وليس لى حقوق، يقال عنه هذا الكلام يا سيادة المنظر، ثم يشبهه هو والجماعة التى تربى فيها، وعلمته الخلق القويم بهتلر والحزب النازى، وتذكر واقعة حرق البرلمان الألمانى. ذلك التشبيه القبيح أعجب النداهة أيما إعجاب، فإذا بها تكاد تطير فرحا من على الكرسى وتفتح فمها مائة وثمانين درجة من شدة النشوة والإعجاب! ما هذا يا رجل؟ الجماعة التى عانت الاضطهاد والتضييق من أجل دعوة الله ومن أجل الوطن توصف بهذا الوصف؟ مرسى الذى كان أول قرار له هو عودة البرلمان، ثم ناضل بعد ذلك لكى تنتقل السلطة التشريعية منه إلى مجلس الشورى ثم سارع لعمل الاستفتاء لوضع دستور يقلص صلاحياته، ويمهد الطريق لقيام برلمان جديد له من الصلاحيات ما قد يفقد الرئيس أكثر صلاحياته؟ بل قد يفقده منصبه؟ ألا من توبة؟ اتق الله يا رجل، فقد بلغت من العمر عتيا. لماذا تستغل انبهار الناس بأحاديثك التى يعرف كثير من المثقفين أنها لا تخلو من الفبركة لكى تبث السموم؟ هل دفعتك النداهة بخبثها واندفاعها الملحوظ نحو الشر لكل هذه الأقوال؟ والله إنك لتذكرنى بقول الله جل وعلا: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ}. لقد استقدمك الرئيس واستمع لك وتشاور معك، وبدلا من أن تقوم وأنت فى هذه السن المتأخرة بدور الرجل الرشيد، الدور الذى تقتضيه سنك وتراكم الخبرات لديك.. بدلا من ذلك تقوم بإشاعة اليأس والقنوط حول الاقتصاد، وحول مستقبل البلاد، وبدلا أن يسجل لك التاريخ دورا فى تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة سياسيا سيسجل لك التاريخ دورا فى بث الشر والسموم مثلما كانت بداية حياتك فى الخمسينيات والستينيات.. اللهم ارزقنا حسن الخاتمة، وجنِّب مصر وأهلها كل سوء وشر يا رب العالمين.