"عام باهت ثقافيا"، وصف ينطبق على 2012، فظلال الأحداث السياسية كانت أثقل من أن تفسح مجالا لسواها، ومع ذلك حدثت اختراقات تستحق التأمل، وأهمها الائتلافات الثقافية المستقلة التي تكونت في مواجهة محاولات للتضييق على حرية الرأي، ومن ثم ضرب أهداف ثورة 25 يناير 2011 في مقتل، وطي سجلها تماما. في مستهل العام، تزامن افتتاح الدورة ال43 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب يوم 22 يناير، وبدء جلسات مجلس الشعب الذي هيمنت عليه غالبية إسلامية، في اليوم التالي، مع حراك يدعو إلى استئصال بقايا النظام السابق في المؤسسة الثقافية الرسمية والنص على حرية الرأي والإبداع في الدستور الجديد للبلاد. وتجلى هذا الحراك، في أحد زواياه، في هجوم حاد على وزير الثقافة آنذاك شاكر عبد الحميد، على خلفية تشكيل لجان المجلس الأعلى للثقافة الذي لوحظ أنه لم يتضمن جديدا إلا في حدود ضئيلة للغاية، فلجنة الشعر، على سبيل المثال، ضمت مجددا بين أعضائها، كلا من أحمد عبد المعطي حجازي وفاروق شوشة ومحمد إبراهيم أبوسنة وحسن طلب وسيد حجاب ومحمد عبد المطلب، إلا أن انتخاب مقررها أسفر عن مفاجأة تمثلت في اختيار الشاعر ماجد يوسف واستبعاد حجازي الذي احتكر هذا المنصب طويلا في الماضي. على أية حال انسحب حجازي ورفاقه من اللجنة التي نظمت بتشكيلها الجديد خلال شهر نوفمبر "المؤتمر الأول للشعر المصري" والذي رأى كثير من الشعراء والنقاد أنه "لم يرق إلى المستوى المتوقع". وركزت الاحتجاجات كذلك على اختيار الدكتور جابر عصفور عضوا في لجنة الدراسات الأدبية، ما اعتبره المحتجون دليلا على احتفاظ رموز النظام السابق بنفوذهم داخل المجلس الأعلى للثقافة، وكأن الثورة لم تحدث. إلى ذلك استبق اتحاد الناشرين المصريين، الذي يعد شريكا أساسيا في تنظيم معرض القاهرة للكتاب، انعقاد الجلسة الأولى لمجلس الشعب، الذي جرى حله بحكم قضائي بعد ذلك، بإصدار بيان يطالب بتمثيله في لجنة اعداد الدستور الجديد للبلاد "باعتباره أحد مؤسسات المجتمع المدني المعنية والمهتمة بالمشاركة في صياغة الدستور الجديد". وعلى صعيد متصل أصدرت حركة "الدستور الثقافي" بيانا عشية الذكرى السنوية الأولى لانطلاق ثورة 25 يناير، أكدت فيه أن "الثورة لن تستكمل مشروعها- على مختلف الأصعدة- دون تحقيق ثورة ثقافية، تؤكد حريات الاعتقاد والإبداع والنشر، في المجالات كافة". كان ذلك في مستهل العام، لكن أواخره جاءت مخيبة تماما للآمال، إذ هيمن الإسلاميون على لجنة إعداد الدستور، فجاء معبرا عن إرادتهم وتم إقراره عبر استفتاء شعبي، جرى في أجواء خانقة. وفي مستهل العام 2012، قاد "التجاذب الثقافي" المتكئ على "ما تقتضيه الثورة"، وفق تصور البعض، إلى استقالة الروائي وخبير المخطوطات الدكتور يوسف زيدان من عمله في مكتبة الاسكندرية (6 فبراير) بعد يومين من قرار اقالته من منصب مدير مركز المخطوطات ومتحف المخطوطات، والذي جاء على خلفية هجومه المتكرر على مدير المكتبة الدكتور إسماعيل سراج الدين واتهامه بإهدار المال العام، لكن زيدان تراجع عن الاستقالة بعد فتح تحقيق رسمي مع سراج الدين حول ذلك الاتهام، ثم اضطر إلى الاستقالة نهائيا، بينما لايزال سراج الدين في منصبه ولايزال القضاء ينظر في أمره. وفي تلك الأثناء استقالت الدكتورة كاميليا صبحي من منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة (لأسباب شخصية) وتولى المنصب الدكتور سعيد توفيق (مارس)، ليستمر الحديث عن مشروع لإعادة هيكلة المجلس دون تقدم يذكر حتى نهاية العام. ولم يمر وقت طويل قبل أن تعود الدكتورة كاميليا صبحي (أغسطس) إلى الواجهة من جديد بتولي منصبي مدير المركز القومي للترجمة، خلفا للدكتور فيصل يونس، والإشراف على قطاع العلاقات الثقافية الخارجية بوزارة الثقافة خلفا لحسام نصار الذي فقد منصبه بقرار من من الوزير محمد صابر عرب تحت ضغط مما يسمى "ألتراس وزارة الثقافة" الذي اتهمه ب"مخالفات مالية وإدارية". وكان عرب قد تولى منصب وزير الثقافة خلفا للدكتور شاكر عبد الحميد، في أوائل شهر مايو، وقرر على الفور إقالة الدكتور زين عبد الهادي من منصب رئيس مجلس إدارة دار الكتب والوثائق القومية، ثم ما لبث عرب نفسه أن قدم استقالته ليتسنى له الترشح لجائزة الدولة التقديرية التي نالها في أواخر يونيو، ليعود مجددا إلى منصب الوزير بعد فوزه بالجائزة، وليواجه في نهاية العام تكهنات بإقصائه من حكومة هشام قنديل الثانية التي يتوقع أن تؤدي اليمين الدستورية أمام الرئيس خلال أيام، فيما يتردد أن المنصب سيذهب إلى شخصية سلفية أو إخوانية للمرة الأولى في تاريخ وزارة الثقافة، وربما يفسر ذلك تصريحات عرب التي تنتقد تيار الإسلام السياسي بصورة غير مباشرة في عدة مناسبات مؤخرا. ومن الأحداث الثقافية اللافتة خلال العام 2012 إحالة وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني إلى محكمة الجنايات بتهمة الكسب غير المشروع، وواكب ذلك ذكرى محرقة بني سويف (5 سبتمبر)، التي كانت الحدث الأسوأ طيلة أكثر من عشرين عاما أمضاها حسني وزيرا للثقافة. وقام اتحاد الكتاب بفصل مفتي الجمهورية الدكتور علي جمعة لأنه زار القدس (ابريل)، ولم يكن أحد يعرف أصلا أنه عضو في الاتحاد الذي لمع نجم رئيسه محمد سلماوي في أواخر العام بعد انتخابه أمينا عاما لاتحاد كتاب آسيا وأفريقيا خلال اجتماع عقد في القاهرة خصيصا لإحياء هذا الكيان الذي كاد أن يطويه النسيان، كما أعيد انتخاب سلماوي أمينا عاما للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب خلال اجتماع عقد قبل أيام في المنامة حيث تشتد المقاومة الرسمية للربيع العربي. وشهد العام 2012 أيضا ازالة أكشاك لبيع الكتب في شارع "النبي دانيال" بالإسكندرية، كما شهد اعتراضات على محاولة تسكين باعة العتبة الجائلين في حديقة الأزبكية التاريخية، وتأييد الحكم على الفنان عادل إمام بالسجن ثلاثة أشهر لإدانته بتهمة "الإساءة الى الإسلام" (ابريل) قبل أن تتم تبرئته من تلك التهمة في سبتمبر، وتعددت وقفات المثقفين وبياناتهم الاحتجاية وائتلافاتهم، ومنها "اللجنة الوطنية للدفاع عن حقوق وحريات الفكر والإبداع"، واندلعت في سبتمبر أزمة الفيلم المسيء للرسول (ص) وتعددت على أثرها دعاوى "ازدراء الأديان" حتى أن التهمة طالت أطفالا في بعض الأحيان، وأصابت في أواخر العام فنانة الكاريكاتير دعاء العدل حتى قيل أن هذه التهمة بالذات "باتت محصنة دستوريا". وبينما تعثرت الكثير من الفعاليات الثقافية المصرية المقررة في 2012 وأبرزها مؤتمر كتاب مصر، الذي كان من المقرر أن تستضيفه مدينة شرم الشيخ (ديسمبر) نجحت "رابطة الكتاب السوريين المستقلة"، في عقد اجتماع لها في القاهرة (سبتمبر) جرى خلاله انتخاب صادق جلال العظم رئيسا للرابطة، وجاء ذلك بعد أن قرر اتحاد الناشرين المصريين مقاطعة معرض دمشق للكتاب (مايو) احتجاجا على ممارسات النظام السوري القمعية ضد مواطنيه، فيما حلت مصر (نوفمبر) ضيف شرف على معرضي تونس والشارقة للكتاب. وفي سبتمبر ربح الناقد الدكتور جابر عصفور دعوى سب وقذف ضد الشاعر حسن طلب بعد أن أدانته المحكمة وغرمته بمبلغ 40 الف جنيه، وربح الروائي جمال الغيطاني دعوى مماثلة ضد الناقد الدكتور صبري حافظ الذي قرر القضاء تغريمه بمبلغ 5 آلاف جنيه، فيما قرر رئيس الهيئة العامة للكتاب الدكتور أحمد مجاهد رفع دعوى سب وقذف ضد حسن طلب (نوفمبر)، بينما كان مختصم المثقفين الأبرز في ظل النظام السابق الشيخ يوسف البدري يحاول العودة إلى الأضواء عبر المطالبة في برنامج تلفزيوني بهدم الآثار وتحطيم التماثيل خوفاً من العودة الى عبادة الأصنام. وفي تلك الأثناء أعيد افتتاح المجمع العلمي (21 أكتوبر) وصدر عدد عدد مزدوج من مجلة "الثقافة الجديدة" لشهري سبتمبر وأكتوبر بعد أن تولى أمرها مجلس تحرير برئاسة الروائي حمدي أبو جليل، وقرر رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة سعد عبد الرحمن الاستغناء عن خدمات الروائي علاء الديب في جريدة "القاهرة"، توفيرا للنفقات، مشيرا إلى أن الجريدة التي تعتبر لسان حال وزارة الثقافة تطبع عشرة آلاف نسخة والمرتجع منها سبعة آلاف نسخة. أما جريدة "أخبار الأدب"، فتولى رئاسة تحريرها مجدي العفيفي خلفا لعبلة الرويني، وتبع ذلك صدور بيان من عدد كبير من محرريها يعترض على هذا التطور. وفي بداية ديسمبر صدرت عن المركز القومي للترجمة النسخة العربية من رواية "الذرة الرفيعة الحمراء" للروائي الصيني مو يان، الفائز بجائزة نوبل لهذا العام، وترجمها عن الصينية مباشرة الدكتور حسانين فهمي حسين، وخلال الشهر نفسه فاز عزت القمحاوي بجائزة نجيب محفوظ التي يمنحها قسم النشر في الجامعة الأمريكية في القاهرة، عن روايته "بيت الديب. ومن أبرز الاصدارات الأدبية التي شهدها 2012 ديوان "نساء الشرفات" لجمال القصاص عن دار العين، وصدرت لمي التلمساني رواية "أكابيللا" عن دار "شرقيات"، وصدر ديوان لميسون صقر ديوان بعنوان "جمالي في الصور" عن دار العين، وصدر لعصام أبو زيد ديوان بعنوان "كيف تصنع كتابا يحقق أعلى مبيعات؟" عن دار روافد، وصدر لسيد محمود ديوان "تلاوة الظل" عن دار العين. وصدر رفعت سلام الأعمال الكاملة لرامبو عن الهيئة العامة للكتاب وديوان "هكذا تحدث الكركدن"، وصدر لعبد المنعم رمضان ديوان "الحنين العاري" عن هيئة الكتاب، وطبعة جديدة من كتاب "شخصية مصر" لجمال حمدان، عن هيئة قصور الثقافة التي أصدرت أيضا "عجايب الآثار في التراجم والأخبار" لعبد الرحمن الجبرتي في سبعة أجزاء.