بمجرد أن تضع قدميك على مشارف قرية الحواتكة التابعة لمركز منفلوط، إلا وتشعر بالحزن والكآبة التي حلت على جنبات القرية، فقد فقدت العشرات من أطفالها الأبرياء في حادث أتوبيس منفلوط. الحرية والعدالة توجهت مباشرة إلى منزل أشرف هاشم علي فراج، والد محمد ومحمود وأحمد أشرف هاشم والذين قضوا حتفهم في الحادث. يقول أشرف: إنه عندما تلقى الخبر ظن في بادئ الأمر أن الحادث بسيط، لكنه فوجئ برد الإسعاف، عندما سألهم هل هناك مصابون في الحادث فأجابوه لا تسأل عن المصابين، لكن اسأل عمن ظلوا على قيد الحياة فالناجون قلة، ويتابع حين وصلت إلى موقع الحادث وعندما أخبرني الأهالي أن أبنائي الثلاثة قد فارقوا الحياة، أعطاني الله الصبر واحتسبت أبنائي الثلاثة محمد ومحمود وأحمد عند الله شهداء". ويضيف: ابني الأكبر محمد كان أكثر الأبناء ذكاء، وكان قارئا وحافظا للقرآن الكريم، ويحب تقليد أصوات المشايخ، خاصة الشيخ ماهر المعيقلي والشيخ المنشاوي، وله مقاطع كان يسجلها بصوته قبل أن يموت، والابن الأوسط محمود كان ينافس أخوه في حفظ القرآن وكذلك الأخ الأصغر أحمد الذي كان يشاركهم في الحفظ، والحمد لله على كل حال. سألته عن حال زوجته الآن بعد يوم واحد من الحادث، فقال: والدتهم كانت تحفظهم القرآن في المنزل، وهي تعلم تماما أن الحادث قضاء وقدر وأجدها أكثر صبرا وثباتا على فراق أبنائها، قاطعته مستفسرا، ولمن تحمل مسئولية الحادث، فأجاب: "وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت"، إن الحادث كان قضاءً وقدرا، ونحن نؤمن بالقضاء والقدر، فقلت له: لكن شهود العيان يؤكدون تقصير عامل التحويلة، فرد علي قائلا: "إذا جاءهم أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون"، هنا قاطعته للمرة الثالثة، لكن هل يعني ذلك أن نترك عامل التحويلة المقصر دون حساب، فرد قائلا: "كان لا بد لعامل التحويلة أن يقصر في عمله وكان من المقدر في قدر الله أن يمر الأتوبيس في هذا الموعد، وأن يمر القطار في نفس الموعد، نحن فخمنا الأمور وحملنا المسئولية لوزير النقل والرئيس، مع أن الرئيس والمسئولين لم يكونوا يرغبون في حدوث هذا الحدث الأليم. ويقول الشيخ نصر عبدالله: إنه كان يحفظ الأبناء جميعا في المنزل، وأنهم جميعا كانوا ملتزمين في الصلاة وحفظ القرآن، فالابن الأوسط محمود كان يحفظ نصف القرآن الكريم، أما الأكبر محمد فقد توفي قبل أن يختم القرآن، وكان قد تبقى له سورتي البقرة وآل عمران ليكون قد أتم حفظ القرآن كاملا، وآخر ما قرأ علي محمد قبل وفاته قوله تعالى "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها".