كما توقعت "الحرية والعدالة" فإن المصالح كانت الهدف الوحيد من زيارة الرئيس الروسي لمصر، وهو الذي لم يجرؤ على أن يضحي بحياة أو أمن وسلامة مواطن روسي واحد، ولو لم يكن الخطر محققًا، مرجئًا قرار عودة السياحة الروسية إلى مصر، ومحققًا فوائد عدة لبلاده برهن مصر سياسيًا واقتصاديًا لروسيا لعشرات السنين بسيف أكبر قرض، سيأخذه السيسي من روسيا ويقدر بنحو 25 مليار دولار ، يسددها المصريون 41 مليار دولار، والأدهى أن الروس انفسهم هم من سيقومون بالاعمال وتعود إليهم أموالهم، كاستثمارات وتشغيل لخبراء ومواطني روسيا في مصر. يأتي ذلك إلى جانب أراضي المنطقة الصناعية، حيث اتفق بوتين وقائد الانقلاب على إقامة المنطقة الصناعية الروسية في مصر، كأكبر مركز صناعي لتجميع وتصدير المنتجات الروسية للشرق الأوسط وإفريقيا، وذلك بعدما أبدت الشركات الروسية الكبرى اهتمامها بإقامة هذا المشروع في منطقة قناة السويس بإجمالي استثمارات 7 مليارات دولار.
فيما ينتظر المصريون "طنطنة" السيسي باحتمالات عودة السياحة..كما ستظل مصر رهينة للقرار الروسي بتشغيل المفاعل او تطويره او حتى إدارته، بجانب القاعدة الروسية في سيدي براني، وفتح مطارات مصر العسكرية والمدنية امام الطيران الروسي، وكما يفعل في سوريا اليوم سيفعل في مصر أكثر من ذلك.
عصفوران بحجر
وكما اصطاد الرئيس الروسي بوتين السيسي ومصر بحجر "الضبعة" وأمنيات السياحة والقواعد العسكرية، اصطاد القاتل بشار الاسد القرار السوري بحجر التحكم العسكري والبقاء في قاعدتي طرطوس البحرية وقاعدة حميميم الجوية باللاذقية.
حيث قام أمس بزيارة خاطفة إلى سوريا، تبعتها زيارة مصر، ثم تركيا، وكأنه يقول للعالم إن روسيا اليوم هي القوة الأكبر والأهم في المنطقة.
في الشكل والمضمون، بدا بوتين في سورية كرئيس قوة محتلة ومنتصرة. بدءاً من استدعاء رئيس النظام السوري، بشار الأسد، لاستقباله في قاعدة حميميم الروسية وليس في مطار دمشق الدولي، مرورًا بمصافحة بوتين لقائد القاعدة الروسية قبل أن يصافح بشار، وقيام ضابط روسي بشد الأسد من ذراعه مانعاً إياه من اللحاق ببوتين مثلما أظهرت التسجيلات المصورة، وصولاً إلى نوعية المواقف والتصريحات التي أطلقها بوتين من اللاذقية، ليعلن من هناك أن النصر تحقق، وبالتالي أمكن سحب الجزء الأكبر من قواته العسكرية، ما خلا الموجودة في قاعدتي طرطوس البحرية واللاذقية الجوية الروسيتين لعقود طويلة بموجب الاتفاقية الروسية السورية الموقعة بشأنهما. كل شيء أوحى بأن بوتين يقول إن الأمر له في هذه البقعة الجغرافية من العالم، في ظل الانسحاب الأميركي فعلاً، والحالة العربية المنهارة.
وتعتبر زيارة بوتين أمس إلى سوريا، الأولى لزعيم دولة إلى هناك منذ نحو سبعِ سنوات، والأولى في التاريخ لرئيس روسي ، أو سوفييتي، تحمل في سياقاتها دلالات ورسائل متعددة الاتجاهات، إذ إن هذه الزيارة الخاطفة والسرية، التي لم يُعلن عنها إلى حين وصول بوتين للقاهرة ظهر أمس.
وبعد أن أتمت روسيا تقريباً خطة إضعاف فتحجيم قوى الثورة والمعارضة عسكرياً، وترجيح كفة حليفها في دمشق، على المستوى العسكري والسياسي، بالتزامن مع استئناف الجولة الثانية ل"جنيف 8"، وقبل "سوتشي 1"، و"أستانة 8". لكن أحد أهداف الزيارة، في الوقت ذاته، كما يبدو، هو تكريس انطباعٍ بمختلف الاتجاهات، أن روسيا الباقية في قاعدتي حميميم وطرطوس "بشكل دائم"، كما قال بوتين، تُحكم قبضتها على مفاصل القرار في سورية، وبإدارة الحل لمستقبل البلاد.
اتخذت قراراً بعودة جزء كبير من القوة العسكرية الروسية الموجودة في الجمهورية العربية السورية إلى روسيا".
وقال بوتين أن "قراري اليوم يقضي بعودة الجزء الأكبر من القوات الروسية إلى الوطن روسيا بعد تحقيق الإنجازات المبهرة ضد الإرهاب. وسيبقى مركزين روسيين في طرطوس وحميميم لمواصلة العمل في سورية بشكل دائم".
وبذلك تكون روسيا قد خققت انتصارا تاريخيا ثلاثيا بالاقتراب أكثر من الملف الليبي عبر القواعد العسكرية المصرية التي باتت مفتوحة امامها، وتثبيت قواعدها الدائمة في سوريا، وكذا تثبيت تبعية مصر لها اقتصاديا وعسكريًا وفنيًا لعقود أيضًا...بينما حققت مصر دعاية انتخابية ولا اروع للمنقلب النووي صاحب الانجازات الورقية.